الحراك “المرقّط” منتشر في الطوائف والمناطق والأحزاب لا عابر لها
جورج العاقوري _ أحوال ميديا
مع انطلاق حراك 17 تشرين الشعبي عام 2019، شكّل العسكريون المتقاعدون المنضوون تحت “حراك العسكريين المتقاعدين” ركيزة أساسيّة فيه كونهم المجموعة الأكثر تنظيماً وقدرة على الحشد. راح الجنرالات يكتسحون السّاحات والشّاشات. توهّم اللبنانيون أنّ الحراك “المرقّط” عابر للطّوائف والمناطق والأحزاب، ليتبين سريعاً أنّه منتشر فيها وليس عابراً لها. فالعسكريون المتقاعدون هم انعكاس لمجتمعهم بتعدديته وشرذمته، بمناقبيته وأنانيته وقد يكون هناك من بينهم أفراد عابرون لها.
“حراك العسكريين المتقاعدين” انطلق بزخم منذ عام 2017 بعدما تداعى العسكريون المتقاعدون وإلتقوا حول المطالب الإجتماعية والحد من الظلم الذي كاد يطالهم سواء في إقرار سلسلة الرتب والرواتب أو في مسودات الموزانات العامة التي تضمنت إقتطاع من رواتب ومعاشات عسكريي الخدمة الفعلية والمتقاعدين. هذا الحراك الذي ملأ الفراغ المتأتّي من النّهج التقليدي لرابطة قدامى القوات المسلّحة في مقاربة الأمور، خرج منهكاً ومفكّكاً بعد حراك “17 تشرين” وبعد قيام أطرٍ تنظيميّة حزبيّة لبعض المتقاعدين. فكيف تتوزّع خريطة القوى في عالم العسكريين المتقاعدين؟ وأبعد من التجمعات المناطقية الموجودة، ما هي أبرز الأطر التنظيمة لهم؟
في البدء ولدت “رابطة قدامى القوات المسّلحة” بناء على علم وخبر من قبل وزارة الداخلية حمل الرقم 1987 تاريخ 26/5/1955. هي المرجعية شبه الرسمية للمتقاعدين وإطار للتفاعل في ما بينهم وللتواصل مع المؤسسة العسكرية وتضمّ: الجيش، الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، الضابطة الجمركية وشرطة مجلس النواب.
في العام 2017، انطلق “حراك العسكريين المتقاعدين” ونجح بفرض فاعليته على الأرض وفي الحفاظ على تماسكه لأنّ سقفه كان تحصيل الحقوق وتحقيق مطالب معيشيّة والتصدّي لتوجّه الحكومة في مسوّدات الموازنة للمسّ بمكاسب العسكريين. كما نجح بجمع الجنرالات الستة الذين وصلوا الى البرلمان في انتخابات عام 2018 حول مطالبه (الوليد سكرية، وهبي قاطيشا، جميل السيد، شامل روكز، أنطوان بانو وجان طالوزيان) في مشهد مغاير لتموضعات الحياة السياسية.
مع انطلاق حراك “17 تشرين”، تقاطعت الدعوات الأولى له مع إحباط المتقاعدين عقب إقرار موازنة عام 2019 من الطبقة الحاكمة وإتهامهم لها بعدم الوفاء بوعودها، معتبرين أنّ الحراك العسكري هو السبيل الأوّل لاستعادة كرامة الوطن وخلاص الشعب من فسادها وفساد أزلامها، وتحرّر النّاس من ظلمهم وقهرهم. لذا نزل عدد كبير من المتقاعدين الى الشارع وصدرت دعوات عن “حراك العسكريين المتقاعدين” لأوسع مشاركة.
غير أنّ هذه الخطوة أدّت عملياً إلى انفراط عقد “حراك العسكريين المتقاعدين”، حيث انسحبت مجموعات البقاع والجنوب التي تدور بفلك الثنائي “حزب الله” – “أمل” وعلى رأسها العميد المتقاعد محمود طبيخ ولم تشارك بأي نشاط (هي المجموعات الوحيدة ذات طابع طائفي).
كما صدر بيان نسب الى “الحراك” في 1/11/2019 أشبه بورقة نعي له إذ اشار الى أنه “بسبب مصادرة بعض الضباط للقرار الحر ومحاولتهم أخذ الحراك الى حيث مصالحهم الشخصية وفقدانهم المناقبية العسكرية، إنه بصدد عزل الوصوليين الانتهازيين الذين لا يمثلون الا انفسهم”. كذلك أوضح انه بعيد كل البعد عن أي أمور تتعلق بما يسمى هيئة الثورة ولا أحد يمثله بداخلها بتاتاً. إلا أنه كانت لافتة مشاركة مجموعات من العسكريين المتقاعدين بتظيم العرض المدني في عيد الاستقلال عام 2019.
هذا التضعضع في صفوف “حراك العسكريين المتقاعدين” أدى الى تشكيل “ضباط الحراك الشعبي” الذي يضم المؤمنين بحراك “17 تشرين” ومن بينهم العمداء: جورج نادر، سامي الرماح، جوزف الأسمر وناجي ملاعب.
الصّراع داخل البيت العوني خصوصاً بين “العديلين” رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والنائب العميد شامل روكز، انعكس بدوره على العسكريين المتقاعدين خصوصاً أنّ “العسكر” لطالما شكل إحدى ركائز “التيار” الأساسية وجزءاً من هويته منذ العام 1988.
ففي 22/1/2020 أعلن عدد من العمداء المتقاعدين من بينهم: ميشال كرم، منير عقل، فارس الخوري، أسد الهاشم، مهدي كنعان وعلي أبي رعد تأسيس “مجموعة الميثاق العسكري” التي تدين بالولاء لشخص العماد ميشال عون.
وفي 28/5/2020 أسّس روكز “حركة الإنقاذ الوطني” مع عدد من الضباط والعسكريين المؤيدين لـ”مبادئ ثورة 17 تشرين الوطنية” والمهتمين بحقوق العسكريين في الخدمة الفعلية والتقاعد وعائلات الشهداء والمعوقين، من بينهم: سمير الحاج، طوني عبد النور، جورج نادر، مارون خريش، سامي الرماح وأندريه ابو معشر.
إلا أنّ فصل روكز للرئيس ميشال عون عن الطبقة الحاكمة وتحييده له من منطلق أنه “جيد ولكن مَن هم حوله سيّئون” وإعلانه عدم المشاركة في تحرك “الثوار” في 6/6/2020 والمخاوف من شخصنته للتجمع، دفع بعدد من المشاركين – خصوصاً غير العونيين – الى مغادرته تدريجياً والإكتفاء بالعمل في صفوف “حراك العسكريين المتقاعدين”.
من جهته، سارع باسيل الى الرّد عبر إنشاء “لجنة مركزية للعسكريين المتقاعدين في التيار الوطني الحر” في 9/6/2020 برئاسة العميد المتقاعد نزيه الحداري، في خطوة هي الأولى من نوعها في الأحزاب السياسية اللبنانية.
وكان شد الحبال بين باسيل وروكز على العسكريين المتقاعدين تظهّر علناً للمرة الأولى في أيلول 2019 حيث روّج “الجيش الإكتروني” لـ”التيار” صورة لباسيل محاطاً بعدد من الضباط العونيين المتقاعدين بحضور وزير الدفاع يومها الياس بو صعب وإعتبرت هذه الخطوة رداً على اللقاء الذي ضم روكز مع عدد من أركان المعارضة العونية ومن بينهم ضباط متقاعدون.
بناءً على ما تقدّم، أصبح العسكريون المتقاعدون أجنحة، فالى جانب الإطار شبه الرسمي أي “رابطة قدامى القوات المسلحة”، والإنفراط العملي لـ”حراك العسكريين المتقاعدين” الذي إنبثقت منه مجموعة البقاع والجنوب التي تدور بفلك “حزب الله” و”أمل”، هناك مجموعة “ضباط الحراك الشعبي”، “مجموعة الميثاق العسكري”، “حركة الإنقاذ الوطني” و”لجنة مركزية للعسكريين المتقاعدين في التيار الوطني الحر” الى جانب جمعية “الإتزان” برئاسة العميد مارون خريش ومجموعات مناطقية موزعة بين مجموعات جبل لبنان ومجموعة الشمال التي إنقسمت بين الإنقاذ الوطني والحراك الشعبي ومجموعة صيدا وجزين ويبرز فيها العميد جوزف الاسمر، مجموعة من البقاع يحركها الضابط حسن حسن على تنسيق مع روكز.
كما كل شيء في لبنان، الخلافات السياسيّة والصّراعات الحزبيّة والنّعرات الطّائفيّة تركت ندوباً حتى في جسم العسكريين المتقاعدين.