” حكي تنور ” (بقلم عمر سعيد)
#حكي_تنور
حلقات سأقوم بكتابتها، ونشرها بشكل دوري عبر فيس بوك.
أتناول فيها قضايا اجتماعية من زاوية أتوهم أنها مختلفة.
والتنور بداية لمن لا يعرفه، كان عبارة عن غرفة من حجر العكش، مسقوفة بالتراب الأبيض ( الفِرس) المعجون بالقصلية وقش تبن البيادر, والمتراكم فوق أغصان الشبرق والبلان المحمول على عيدان السنديان والملول.
في داخل الغرفة حفرة صخرية لها شكل الإجاصة، جدرانها الداخلية مطلية بالاسمنت الناعم.
كانت أمهاتنا تملأ تلك الحفرة بالحطب، الذي تشعله، وتتركه ليتجمر، لتبدأ بعدها بالخبز.
ومن أدوات التنور:
١- المحواش وهو كناية عن عصا طويلة غير مستقيمة، تستخدم لتقليب الجمار أثناء الخبز.
٢- غطاء التنور، والذي كان في الغالب نورج ببادر محطم يغلق فوهة الحفرة، لئلا يسقط فيها طفل أو حيوان بعد انتهاء الخبز.
٣- الميزر وهو قماش من الكتان البني الناعم يفرش فوقه طحين تتوسطه طبلية خشبية لرق الارغفة المعجونة. والتي يسمى واحدها ( قرص عجين) ويسمى الصف الأول من الأرغفة داخل اللكن النحاسي ( الساف وجمعها سفوف) حسب القاموس اللفظي لقرانا الريفية.
٤- الكارة والتي كانت عبارة عن مخدة قماشية دائرية الشكل، حجمها أوسع من الرغيف، يشترط فيها اللون الداكن، ليتناسب مع لون الشحبار أو الشحتار ( الصفوة السوداء التي تتشكل عن الدخان) العالق على جدران التنور.
وقد كان لكل قرية عدة تنانير ، يكنى التنور فيها ب ( تنور بيت بو فلان )
وعادة ما كان يترك التنور بلا باب، ليلجأ إليه كل عابر غريب خاصة في ليالي الشتاء.
كان التنور ملفى النساء والأطفال والعجاىز والعاطلين عن العمل سواء أن أضرمت ناره لخبز، أو لنيل قسط من الدفء بعد انتهاء الخبز.
وهناك كان الجميع يتخلص من القمل والصيبان، ومن كل ما في صدره من حكايا ونميمة لا يطيق كتمانها، دون أن يبحث أحد في العلاقة التي تربط التخلص من كليهما عند التنور.
ومن هنا نشأ مصطلح ( حكي تنور ) دلالة على عفوية الجلسة، وعدم قصديتها، وكثرة الاجتهاد والارتجال والتأليف الذي كان يتخللها.
لذلك فإن كل ” حكي تنور ” لا يؤخذ به، ولا يعول عليه.
ولكم كان التنور بحكيه منشأ كثير من الضوابط والعادات والقصص والخبريات والخرافات والأساطير واللت والعجن.
وعلى ذكر ( اللت والعجن ) وبما أن العجن معروف، فإن اللت هو كسوة قرص العجين بالطحين، لئلا تلتصق الأقراص بعضها بالبعض الآخر، ولا باللكن ولا الغطاء الذي فوقها، ولا بالأكف أثناء الرق واللوحان.
واللوحان هو ترقيص الرغيف بعد رقه على الأكف، ثم على زندي الخبازة، ليأخذ اتساعه الذي يستهلك سماكة العجين حد الشفافية.
مع العلم أن خبز التنور أسمك من خبز الصاج.
وضمن هذا الباب : ” حكي تنور ”
أعيد نشر مقالة لي نشرتها قبل أيام، غير أنها لم تأخذ حقها من قراءات المتابعين:
#مجتمعات_الطرة_والنقشة.
في المدرسة، في البيت, في المسجد, في اللقاءات الجماعية, يتفق الجميع – تربويون وآباء ومجتمع ورجال دين – على أهمية تعليم الطفل اتخاذ موقف من الظلم، وتحريمه، معتمدين في ذلك على تبيان مخاطر الظلم.
وعندما يبلغ التلميذ سن المرحلة الثانوية، ينقلب المعلم على نفسه أثناء شرحه قصيدة زهير بن أبي سلمى محرضاً الطالب على إعادة النظر في ما تعلمه عن الظلم من خلال البيت الشعري:
” ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم، ومن لا يَظلم الناس يُظلمِ ”
ليغالي المعلم في توضيح عظمة موقف زهير في هذا من الظلم في هذا البيت.
ثم يبدأ المجتمع في دعوة الشاب إلى تبني مفهوم الذأبنة، من خلال تكرار مقولة :
” إن لم تكن ذئبا، أكلتك الذئاب ”
فتغدو المواقف التي وظفت في عقلية الطفولة البريئة عدة عمل الفرد في الجلسات التنظيرية في مجالس ” حكي التنور “.
ذلك لأن مثل هذه المجتمعات ليست تقصد البراءة بتاتاً، غير أنها ومن حيث لا تدري تنتهج تضحيل عقلية الإنسان.
فما أن يشب عن فتوته حتى يكتشف أنه يعيش في مجتمع ذي ازدواجية في المعايير التي يتبناها،
كذلك يعلمونه أن غزوات النبي مقدسة، غير أن معنى الغزو في اللغة يعني : النهب والسلب والافتراء على الضعيف.
إنه مجتمع يؤمن بصدق نبيه، وصدق خليفته الصديق، ومواقف خليفته الفاروق المتفانية في نصرة الحق، غير أنه يؤمن أيضاً وفي الوقت ذاته بأن :
“الكذب ملح الرجال”
كما يؤمن ب
” اليد اللي ما فيك تعضها، بوسها، وادع عليها بالكسر”
وباحتقار حملة السلم بالعرض. اولئك الذين يستخدمون عقولهم لاتخاذ موقف مما يحصل.
مجتمع يتخذ الأمر وضده، ويتبعمها في آن واحد.
مثل هذا المجتمع لن يكون له غد، مهما حث السير، لأنه مجتمع كالعملة المعدنية بوجهيها الطرة والنقشة.
عمر سعيد