تحرك دولي وعربي نحو لبنان.. لعزل العهد والحكومة
لا حاجة للكثير من المراقبة لرصد المواقف الرسمية الناجمة عن كارثة مرفأ بيروت.
رئيس الجمهورية ميشال عون عبّر عن كل ما يفكر فيه، فاختصره في جملة واحدة: “الحصار الذي كان مفروضاً على لبنان بدأ بالزوال”. تباهى عون بالكثير من الاتصالات الدولية التي تلقاها من رؤساء دول ووزراء خارجية، فرأى فيها كسراً للحصار، وتعويماً للعهد مجدداً. النواب العونيون والوزراء وكل من يدور في فلكهم، بدوا مزهوين بالاتصالات، وخصوصاً بالاتصال الذي أجراه دونالد ترامب برئيس الجمهورية. وهم الذين كانوا يتهمون واشنطن بالتآمر على العهد، ويتهمون معارضيهم بأنهم أذناب لأميركا.
لا بأس بالانفجار، ولا بأس في أسبابه العرضية، أكانت تدخلاً خارجياً بقنبلة أو صاروخ، أم كانت إهمالاً وسوى ذلك من أسباب. المهم أن الحصار على العهد قد انكسر، وبدأ العهد الميمون يستعيد أنفاسه، وفق رؤية أصحاب العهد وأركانه.
بدأ الاستثمار في الانفجار المدمر. وعادت الحياة الديبلوماسية إلى قصر بعبدا، وتفّعلت الاتصالات الدولية مع لبنان، فيما اشتاق المسؤولون على ما يبدو إلى السجاد الأحمر. وبعد زيارة الرئيس الفرنسي توالت الزيارات، الدولية: أمين عام جامعة الدول العربية، رئيس المجلس الأوروبي، نائب الرئيس التركي ووزير الخارجية، وبعض المعطيات تفيد عن زيارة مسؤولين أميركيين للبنان، بعد اتصال ترامب بعون، الذي تلقى أيضاً اتصالاً من رئيس وزراء بريطانيا.
المساعدات ضد العهد وحكومته
يضج لبنان بهذه الزيارات على وقع مسعى فرنسي لعقد مؤتمر لتوفير المساعدات للبنانيين يوم غد الأحد. وقد أعلن ترامب استعداده للمشاركة في هذا الاجتماع. ولكن المعطيات تفيد بأن المساعدات ستكون مخصصة للشعب اللبناني، وكل الدول تبحث عن طرق جدية لإيصال المساعدات للبنانيين، من دون المرور عبر قنوات الدولة اللبنانية، بسبب انعدام الثقة بها. وفي تعبير واضح لرفض تعويم السلطة أو منحها أي مساعدات.
هذا ما يقرأه العهد وحكومته بسلبية فائقة، انعكست في عرقلة الكثير من المبادرات لتقديم المزيد من المساعدات. وتشير المعلومات إلى أن دولاً كثيرة تبدي استعدادها لتقديم المساعدات وتسليمها للجيش اللبناني، وإيكاله مهمة توزيع هذه المساعدات، وعدم توزيعها من قبل الحكومة.
أميركا، فرنسا، بريطانيا، والدول العربية كلها تبدي استعدادها للمساعدة. ولكن أي مساعدة مشروطة، وفق ما أعلنه ماكرون، بوجوب تنفيذ الإصلاحات، وتغيير السياسات، ووقف الإنخراط في سياسة المحاور. الموقف الفرنسي لا ينفصل عن الموقف الأميركي ولا الموقف العربي. ولم يكن اتصال ترامب بعون إلا ليصب في هذا السياق. فواشنطن لن تتخلى عن مساعدة الشعب اللبناني، والسلطة إذا أرادت نيل المساعدة لا بد لها من أن تساعد نفسها. وبعض المعطيات تفيد أن أميركا ستستمر بضغوطها السياسية إلى حين تحقيق الفصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله، أو أن تستدرج الطرفين إلى تنازلات كبيرة. هذه التنازلات يفترض أن تبدأ بملف ترسيم الحدود والصواريخ الدقيقة.
انفجار التحرك الدولي
التحرك الدولي السريع غداة التفجير، يؤكد أن ما جرى في مرفأ بيروت ليس صدفة. ولو كان صدفة أو عرضياً لما كانت الدول تعاطت معه وفق هذا المسار، وكأن هناك من يقول إن التمادي بالمواربة لا يمكن أن يستمر، وإلا تحول لبنان إلى ما تحول إليه الوضع في سوريا وإيران، وما سيأتي سيكون أخطر، وليس المساعدات.
بعد التفجير وهذه التحركات الدولية، بدأت الاتصالات الدولية تتحرك. وهي ستؤدي إلى مفاوضات بلا شك، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن عن وصول ملف ترسيم الحدود إلى خواتيمه. وهذه بادرة أولى ومتقدمة للاستجابة للضغوط.
بعد التفجير، ليس صدفة بدء كلام كثير عن احتمال وجود المواد المتفجرة إياها في مناطق ومواقع أخرى. إثارة هذا الموضوع يشير إلى أن البازار فتح على التفاوض للتخلص من هذه المواد، ومن أشياء أخرى.
تحرك عربي
لن يكون التحرك دولياً فقط. وصول أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وسط مشاورات عربية تفيد بإمكانية عقد جلسة لوزراء الخارجية العربية، وربما قمة عربية تخصص لبحث الملف اللبناني، ستكون متكاملة مع المسار الدولي، وأن العرب لن يتخلوا عن لبنان.
ويعتبر قدوم الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى لبنان، أول تحرك عربي ذو شأن. وقال بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون ميشال: “قلت لرئيس الجمهورية أنتم أقوياء رغم الكارثة، وسوف تنجحون في مواجهة الموقف. وأوضحت له استعدادنا للدعم والمساعدة. ورد الفعل العربي كان سريعا للغاية، وقدم للبنان احتياجاته الفورية”.
وتابع: “استمعت إلى تقرير من فخامة الرئيس. وسأشارك في الاجتماع الذي دعت إليه فرنسا دعما للبنان وسأنقل إلى الدول العربية ووزراء الخارجية تقريراً كاملاً عن مشاهداتي وعن هذه الزيارة. وننوي أن نطرح بنداً جديداً على جدول أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي للدعم المستمر والدائم للبنان. وننتظر ما سوف يأتينا من الحكومة اللبنانية عن احتياجاتها وأفكارها”.
لجنة تحقيق دولية ومساعدات
لكن يبدو أن ثمة تحركاً دولياً لتشكيل لجنة تحقيق دولية للبحث بانفجار المرفأ. وقد صرح أبو الغيط من عين التينة، بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أنه تطرق إلى موضوع لجنة التحقيق، وعرض أن تساهم الجامعة العربية باختيار شخصيات عربية للمشاركة في التحقيق حول الانفجار.
بعد زيارة ماكرون، سارع الأتراك إلى التحرك في اتجاه لبنان. وأصبح التنافس بين الدول المتخاصمة حول من يقدم المساعدات للشعب اللبناني. فإما أن ينتهز اللبنانيون هذه الفرصة، وإما أن يستمر غرق الجميع.
وعلى صعيد التحرك التركي أكد نائب رئيس الجمهورية التركية فؤاد أوكتاي أن تركيا تقف إلى جانب لبنان وستقدم له المساعدات.
وقال بعد اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا اليوم السبت 8 آب، إن “تركيا مستعدة لإعادة بناء مرفأ بيروت من جديد. ونقلنا للرئيس عون المعلومات المتعلقة بمستشفى الحروق الذي تمّ إنشاؤه في صيدا ولم يتمّ تشغيله، وشدّدنا على ضرورة تشغيله”. وأضاف “حصلنا على معلومات بأن كل المنازل والبيوت والمباني في ضواحي بيروت تكسرت ونعلم أن هناك احتياجات كبيرة”. وأكد أن “الفرق التركية للاغاثة تعمل منذ اللحظات الأولى في المرفأ ومساعدتنا مستمرة وتم إرسال مستشفيين ميدانيين ومستلزمات ومعدات طبية و400 طن من القمح والمواد الغذائية”.
تهافت العهد والحكومة
مشكلة العهد والحكومة ومن خلفهما، هو حجم التخبط الذين يقعون فيه. فهم الذين هاجموا العرب، ولم يتضامنوا مع الضربات التي تعرّض لها العرب، وطالما تحدثوا عن العلاقة مع إيران والتحالف المشرقي الاستراتيجي.
لكنهم يطلبون اليوم مساعدات الدول العربية والمشاركة في الإعمار. يريدون الذهاب شرقاً والمواجهة مع الأميركيين، وينتشون عند أي بادرة أميركية، أو انفتاح، بينما يتهمون خصومهم بالولاء لواشنطن. يواجهون تركيا ويتهمونها بإعداد مشاريع التخريب للبنان، لكنهم أيضاً يطلبون منها المساعدات، ويأتي وفد تركي للقاء المسؤولين محمّلاً بها.
إنه “عهد” الانفصام والإنكار. ولا شيء يقدر عليه سوى التخبط والفشل.
المدن