معركة العراق ولبنان… تشابه وتوجهات مختلفة
ام المشاكل في بلاد الرافدين هي “اختطاف العراق” على حدّ التعبير الذي استخدمه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهي في بلاد الأرز “اختطاف لبنان”، وإذا كان العراق، كما يقول أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين الدكتور حسين علاوي، “الحلقة الأولى في سياسة الأمن القومي الإيراني”، فإن لبنان هو الحلقة الأخيرة فيها.
والمعركة الحالية في العراق التي عنوانها الكبير إغلاق ملف عمره 17 عاماً منذ الغزو الأميركي هو “اختطاف العراق”، يجب أن تكون أيضاً معركة لبنان، لكن الوطن الصغير يحتاج إلى مسؤول من قماشة مصطفى الكاظمي، وهو ليس فقيراً بالشخصيات الوطنية التي يحرص خاطفوه على إبقائها خارج اللعبة.
ذلك أن البلدين “ميدان لتصفية الحسابات” في معركة يختصرها كثيرون بالصراع الجيوسياسي بين أميركا وإيران، مع أنها اوسع من ذلك، ولا مجال للمقارنة بين موقع كل من العراق ولبنان في حسابات اللاعبين، ولا بالطبع بين العراق الغني بالثروات الطبيعية ولبنان الفقير بها، غير أن التشابه في أوضاعهما ليس قليلاً، كلاهما “مفلس” ومن أسباب الإفلاس تفشي الفساد ونهب المال العام، في العراق من جانب المسؤولين و”الجماعات والعصابات المسلحة” والسيطرة على “المنافذ الحدودية”، وفي لبنان من جانب المافيا السياسية والمالية والمصرفية وعصابات التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية.
الرئيس العراقي برهم صالح اعتبر أن الفساد هو “الاقتصاد السياسي للعنف”، والكاظمي رأى أن “الفساد أخطر من الإرهاب”، والحرب على الفساد هي شعار المسؤولين والمعارضين في لبنان، لكن الفساد مستمر، من دون كشف فاسدين في لبنان وكشف بعضهم في العراق.
مصطفى الكاظمي قال “تسلمت مهامي في ظل خزينة خاوية وسيادة منقوصة وسلاح متفلت خارج الدولة”، وأعترف أن “المحصلة بعد 17 عاماً على سقوط النظام هي عدم قدرتنا على بناء مؤسسات دولة حقيقية، وأن الفشل هو ما قاد إليه النظام التوافقي الذي أنتج المحاصصة الحزبية”، أما البديل، فإنه “مشروع وطني معياره المواطنة”، ومن هنا كان الحوار الإستراتيجي مع أميركا الذي حقق حتى الآن هدفين “الاعتراف بالسيادة الوطنية، وجدولة الانسحاب العسكري الأميركي”، ومن هنا أيضاً كان الحرص على التوازن من منطلق المصلحة الوطنية في العلاقات مع أميركا وإيران والسعودية.
ولذلك فرض الكاظمي على خليفة الجنرال قاسم سليماني في قيادة “فيلق القدس” الجنرال إسماعيل قاآني الحصول على تأشيرة لدخول العراق، وأمر جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال أعضاء في “كتائب حزب الله” أطلقوا صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء وثكنات عسكرية عراقية فيها أميركيون، وهذه معركة طويلة في أية حال، تحت عنوان “حصر السلاح بيد الدولة”.
فالحشد الشعبي الخاضع رسمياً للقائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء، هو عملياً حشدان “حشد المرجعية” بحسب فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها آية الله علي السيستاني، و”حشد الولاية” التابع لولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني.
ومثل هذا ما يقال في لبنان، لكن السياسة الرسمية هي العكس، حيث الإصرار، بالخيار أو بالاضطرار، على أخذ البلد نهائياً إلى “محور الممانعة” وتحمّل العقوبات الأميركية على الرغم من الحاجة إلى أميركا وأوروبا والعرب في كل شيء تقريباً.
وإذا كانت المحاصصة قديمة في لبنان وجديدة في العراق، فإن العامل القوي المستجد هو “عسكرة طائفة” صارت تحكم رسمياً في العراق وعملياً في لبنان ضمن المشروع الإقليمي الإيراني.
في العراق حشد شعبي متعدد الفصائل، وفي لبنان يقوم “حزب الله” وحده بالدور، وإذا كان الشباب الشيعي العراقي هو الذي قام بالدور الأساسي في الحراك الشعبي ضد الحكام والمحاصصة و”الاحتلالين” الإيراني والأميركي، فإن الشباب اللبناني العابر للطوائف هو الذي نزل إلى الشارع في ثورة شعبية سلمية حاول “حزب الله” تهميشها وادعى بأنها “أمر عمليات أميركي” عندما تطرّقت إلى موضوع السلاح.
وما أوسع الافتراق، التوجه في العراق هو نحو بناء الدولة وتصحيح الخطأ الأساسي الذي ارتكبته واشنطن وطهران والأحزاب المذهبية بعد الغزو الأميركي، وإخراج البلد من دور الملعب في الصراع الخارجي، أما في لبنان، فإن التوجه هو نحو المزيد من الارتباط بصراع المحاور في هاوية أزمة تهدد فعلياً بالجوع.
معركة الكاظمي ليست “صولة” واحدة بل “صولات” حتى إعادة العراق إلى موقعه الوطني، لكن معركة الانزياح الكامل لموقع لبنان في المنطقة وتغيير نظامه نحو الأسوأ ليست سهلة كما تبدو، وسوف تصطدم بثوابت داخلية ومتغيرات خارجية هائلة.
رفيق خوري – اندبندنت عربية