بالوثائق.. القصّة الكاملة لـ«معمل سلعاتا» وتضليل الرّأي العام من قبل التيار العوني
يثير موضوع “معمل سلعاتا” الكثر من الأخذ والرّد بين مختلف الفرقاء السياسيين في لبنان، حيث يُعتبر التيار الوطني الحر والنائب جبران باسيل من أشد المتمسكين به وبتشييده في الموقع الذي يُعد نقطة الخلاف الأولى مع باقي الفرقاء. موقع الهديل تقصّى الحقائق الكاملة عن قضية “معمل سلعاتا”، وأعدّ هذا التّقرير الذي يسرد كل الوقائع والتفاصيل عن “المعمل الأزمة” الذي كاد أن يُفجّر الحكومة قبل أسابيع… فما قصة سلعاتا؟
الإستشارات إختارت “حنّوش”… لماذا بُدّلت؟
في عام 2014، قامت الحكومة اللبنانية بالتعاقد مع شركتي “موت ماكدونالد” و”بوتن” للإستشارات، وذلك بهدف إجراء دراسة على محطات الطاقة في لبنان. إستشارة “موت ماكدونالد” خلصت إلى تشييد “معمل سلعاتا” في أرض “حنّوش” والتي هي تتبع عقاريًا لمنطقة “حامات”، حيث تبعد الأرض المُختارة من قبل “موت ماكدونالد” كيلومترات قليلة إلى الشّرق من الموقع الذي يريد فريق التيار الوطني الحر تشييد المعمل عليها.
الخلاصة التي توصّلت إليها “موت ماكدونالد” كانت لعدّة أسباب أهمّها:
-مناسبة الموقع للـFSRU في منطقة شاطئ “حنّوش” بسبب طبيعة المدّ والجزر ورصيف المراكب أكثر بكثير من منطقة “سلعاتا”
-بعد المناطق السّكنية عن شاطئ حنّوش، وهي ركيزة أساسية لتشييد أي معمل كهرباء بحسب المعايير العالمية، حيث إنّ الارض في سلعاتا لا تستوفي الشّرط بشكل مناسب لتشييد المعمل على أرضها، وذلك لقرب المناطق السّكنية من المنطقة المختارة من قبل وزارة الطاقة.
-إمتلاك شركة كهرباء لبنان لحوالي الـ35000 متر مربّع في المنطقة المختارة من قبل الإستشاريين في “حنّوش” قرب البحر، كما وتظهر الوثائق التي حصل عليها موقع الهديل أنّ إدعاء وزارة الطاقة إمتلاك 7000 متر فقط، هو إدعاء غير صحيح.
حيث يتساءل المراقبون عن عدم أخذ وزارة الطاقة استشارة “موت ماكدونالد” بعين الإعتبار، رغم تكليفها بذلك من قبل الدّولة اللبنانية والتي دفعت لها أتعابًا ليست بقليلة مقابل الإستشارة والداراسات التي أعدّتها الشّركة.
أبي خليل يؤكّد… وخليفتاه ينفيان!… واستشارة من شركة محظورة دوليًا!!
عام 2014، وأثناء مؤتمر صحافي عقده وزير الطاقة والمياه في حينها سيزار أبي خليل بحضور عدد من السّفراء الأجانب ووسائل إعلام مختلفة، قام أبي خليل بشرح الأسباب التي دفعت “موت ماكدونالد” لاختيار أرض “حنّوش” كموقع لتشييد معمل الكهرباء، كما قام أيضًا بعرض الموقع المُختار أمام الإعلام والسّفراء وشرح أهميّة الموقع ومناسبته لتشييد المعمل…
لكن المفارقة، أنّه بعد تسلّم الوزيرة ندى البستاني منصب وزيرة الطاقة والمياه من أبي خليل، وتحديدًا في ربيع العام 2019، قامت الوزيرة البستاني بتجاهل الدراسات التي أعدّتها شركتا الإستشارات والداراسات”موت ماكدونالد” و”بوتن” ولجأت إلى شركة تعمل في مجال الهندسة، وهي مؤسسة ألمانية تُدعى “فيشتنر” لا علاقة لها بإجراء هذا النّوع من الدراسات، كما أنّها تعرّضت بين عامي 2017 و2018 للحظر لمدة 15 شهرًا من البنك الدّولي بتهمة التورّط بقضايا فساد في القارة الأفريقية.
حيث يتساءل الخبراء عن جدوى التعامل مع شركة لا تُقدّم الإستشارات والدراسات المطلوبة، بل تقدّم الإستشارات الهندسية المتعلقة بالتشييد والإنشاء فقط، ولا يدخل إختيار المواقع من ضمن عملها، والأهم تورّط الشّركة المذكورة بقضايا فساد وشبهات تسببت بحظرها من قبل البنك الدّولي…
وتشير المعلومات التي حصل عليها موقع الهديل، تؤكّد أنّ وزارة الطاقة والمياه طلبت عام 2019 من شركة “فيشتنر” تصميم معمل للكهرباء على أرض “سلعاتا” وليس على أرض “حنّوش” والتي أوصت “موت ماكدونالد” بالتشييد عليها، علمًا أنّ أرض “سلعاتا” التي اختارتها وزارة الطاقة والمياه تضمّ مصنعين يضمّان أكثر من 1000 موظّف وعامل وهما Dérivés et Huiles des Société (DSH) وLebanon Chemicals Co. (LCC)، حيث تستثمر الشّركتان المذكورتان المرفأ الملاصق لأرض “سلعاتا” لاستيراد المواد الخام وتصدير منتوجاتهما للخارج. وتساءلت مصادر عن إذا كان “المرفأ” هو أحد الأسباب وراء الإصرار على أرض سلعاتا، خصوصًا أن تشييد أي معمل أكان في “سلعاتا” أو “حنّوش” يحتاج في فترة التشييد إلى مصدر للطاقة قد يكون باخرة أو غيرها، والبواخر بحال تمّ إقرارها تحتاج إلى مدّ خطوط للتوتر العالي، حيث إنّ أقرب نقطة لمد الخطوط إلى سلعاتا أو حنّوش هي حالات في قضاء جبيل، ما يعني أنّ توصيل المحطة على الشّبكة الكهربائية يترتّب عليه أكلاف إضافية أيضًا وأيضًا…
فلماذا تمّ الإصرار على أرض سلعاتا ونسف الدراسات التي تؤكّد على ضرورة تشييد المعمل في حنّوش؟
سعر الأرض… والرّدم.. من يتحمل مئات الملايين؟
وزيرة الطاقة والمياه السابقة ندى البستاني، ذكرت سابقًا أنّ استملاك الأراضي في “سلعاتا” هو أقل كلفة من إستملاك الأراضي في منطقة “حنّوش” المشار إليها في دراسة “موت ماكدونالد”، حيث علّق أحد الخبراء للهديل على كلام البستاني بالقول: “كلام الوزيرة البستاني يفتقر للدقّة، حيث أنّه ظهرفي جميع تقارير الخبراء أنّ موقع سلعاتا أغلى بمرّتين الى ثلاث مرات من موقع حنوش والذي تمتلك فيه شركة الكهرباء أساسًا 35000 متر مربّع من الأراضي” وتساءل عن الأسباب وراء عدم ذكر الوزيرة البستاني أن خطة “فيشتنر” تتطلب ردماً للبحر في منطقة الميناء- سلعاتا وهذا ما يحمّل الدولة أعباءً إضافية نظرًا لكلفة الرّدم العالية في المنطقة، كما أنّه في منطقة حنّوش هناك إمكانية للرّدم أيضًا، علمًا أنّ عمق المياه على شاطئ حنّوش أقل من تلك في سلعاتا….
وجديرٌ بالذّكر أيضًا أنّ المجلس البلدي لبلدة سلعاتا بعث بثلاث رسائل (حصل موقع الهديل على نسخة منها مرفقة أسفل الفقرة) إلى الوزيرة البستاني تتعلق بمعارضة المجلس وأهالي المنطقة تشييد محطة لتوليد الطاقة في سلعاتا، حيث أكّد المجلس البلدي برسائله أن كلفة إستملاك الأراضي في سلعاتا أعلى بكثير من تلك التي في “حنّوش”
أين الآثار المزعومة؟
بحسب مصادر مطّلعة لموقع الهديل وخبراء المنطقة، فإنّ الإستملاكات في منطقة “حنّوش” المُشار إليها في الدراسات تُكلّف ما بين 30-32 مليون دولار أميركي، بينما الإستملاكات التي تنوي الدّولة إجراؤها في منطقة سلعاتا تفوق الـ200 مليون دولار أميركي. حيث تساءل المصدر عن الهدف وراء إستملاك أراضٍ بقيمة تفوق الـ200 مليون دولار في ظلّ الاوضاع المالية والإقتصادية المأزومة، وإهمال إستملاك لا يتعدّى الـ32 مليون دولار!
الحجّة التي رددها الوزيران ندى البستاني والحالي ريمون غجر لاختيار أرض “سلعاتا” عوضًا عن “حنّوش” هي أنّ “حنّوش” تضم “كاتدرائية أثرية”، لكن حقيقة ما في الأمر تظهر في الصّورة التي حصل عليها موقع الهديل لـ”الكاتدرائية الأثرية”، حيث إنّ معاينة الموقع تُظهر وجود بعض الجدران لكنيسة قديمة على أرض لا تتعدّى الـ500 مترًا مربعًا! ويقول الخبراء إنّ وجود الجدران هذه لا يمنع تشييد المعمل في حنّوش إطلاقًا…
تضليل في مجلس الوزراء…وللرأي العام!
تشير الدراسات المُعدّة أنّ “موت ماكدونالد” لم تقم باختيار الموقع المعروف بإسم “أرض سلعاتا” إطلاقًا، إنّما كانت نتيجة الدراسة الوحيدة هي تشييد المعمل في موقع “أرض حنّوش”.
ويقول مراقبون أنّ وزارة الطاقة تتعمّد إثارة الإرتباك بين الموقعين عن سابق إصرار وتصميم. كما أنّ الفيديو الذي تمّ عرضه على شاشة الـOTV يخدع الرأي العام بشكل متعمّد من خلال الإدعاء بأنّ وزارة الطاقة ستقوم بإنشاء محطة لتوليد الطاقة على الأراضي التي تمتلكها، بالأصل شركة كهرباء لبنان في حنوش والتي اختارها “موت ماكدونالد”.
في حين يقول المتابعون أنّ وزير الطاقة والمياه ريمون غجر في الواقع يضلّل مجلس الوزراء عن طريق استبدال موقع “أرض حنّوش” بموقع “أرض سلعاتا” الذي اختاره الوزير غجر والوزيرة السابقة ندى البستاني من غير أن يكون الإختيار مبنيّاً على أيّ داراسة معتبرة على الإطلاق
من يتحمّل مسؤولية إفقار أكثر من 1000 عائلة لبنانية؟ وماذا عن الأثر الصّحي على السّكان؟
المعمل الذي تصر وزارة الطاقة على تشييده في منطقة أرض “سلعاتا” التي تضم المعملين اللذين تمّ ذكرهما يهدد مصير أكثر من 1000 عائلة لبنانية، دون الإكتراث إلى مصدر رزقهم وعيشهم، خصوصًا في ظلّ الازمة التي يمر بها لبنان وارتفاع سعر صرف الدّولار ومعدلات البطالة.. فهل أعدّت وزارة الطاقة بديلًا لهؤلاء العمّال وعوائلهم؟
بالإضافة إلى حرمان أكثر من 1000 شخص من عملهم، تشير كل المعايير المتعلقة بتشييد معامل الطاقة إلى ضرورة إبتعاده بقطر أقله 1 كلم عن أماكن تواجد السّكّان، حيث إنّ تشييده قرب المناطق المأهولة بالسّكان يترتّب عليه نتائج صحيّة خطيرة خصوصًا على الاطفال وكبار السّنّ… فهل بات تشييد المعمل أهم من صحة المواطن؟ يتساءل المراقبون…