لقاء مرتقب في جهنّم الحمراء
عقل العويط – النهار
سأقول لكم بطريقةٍ مهذّبة، مبسّطة، يفهمها الجميع، تحت وفوق، إلى أين يذهبون (أهل السلطة) بلبنان واللبنانيّين؟
إنّهم ذاهبون بنا إلى آخر الطريق. إلى الطريق المسدود. إلى الحائط الفجّ. إلى النفق المظلم. إلى الهاوية.
هذا النوع من الذهاب – “الانتقال”، يسمّى في الفرنسيّة، سقوطًا حرًّا chute libre. أي السقوط الذي لا يمنعه مانعٌ، ولا يقف في وجهه سدٌّ، ولا حائلٌ، ولا يؤخّره التفافٌ، ولا تُرجئه مراوغة.
صحيحٌ أنّنا ذاهبون إلى طريقٍ مسدود. لكنّ هذا الطريق المسدود هو نفقٌ، وآخر النفق هاوية. هاويةٌ مفتوحةٌ على الجحيم.
الناس فقراء. وجياع. يجب أنْ يفهم الجميع هذه الحقيقة البسيطة.
لن أفلسف الأسباب المتعدّدة. النتيجة واحدة: البلد مفلس. منهوب. مسروق. الخزينة فارغة. الودائع مصادَرة. الأمّ الحنون أوقفت مبادراتها. المراجع الدوليّة أقفلت حنفيّاتها. المؤسّسات منهارة. الأعمال متوقّفة. الرواتب محجوبة. ولا حلّ في الأفق.
هذا من جهة. أمّا من جهةٍ ثانية، فالسلطة التي يُفترَض أنْ تجترح الحلول – لأنّها سلطة – هي أعجز من أنْ تجد حلًّا.
هذا الاستخلاص الفظّ هو الاستخلاص الوحيد. هي – تاليًا وموضوعيًّا – تأخذ لبنان واللبنانيّين، إلى العنف. إلى الحرب. إلى القتل. إلى الذبح. إلى الكسر والخلع. إلى السرقة. إلى البحث عن رغيف الخبز بالأسنان المسنونة، بالأظفار، وبسكاكين المطبخ. وربّما بسوى ذلك من أدواتٍ وطرقٍ وأساليب قد لا تخطر في بال.
الأكثريّة الساحقة من اللبنانيّين، تمكّنت خلال الأشهر الأخيرة، لكنْ بنسبٍ متفاوتةٍ للغاية، من مواصلة العيش بالعضّ على الجرح. بالتقشّف. بالاقتصاد. بالتخفيف من المصاريف. بالاستدانة. بالاستعطاء. بطلب النجدة. بمدّ اليد. بتمريغ الجباه. بالركوع. وإلى آخره.
لم يعد ثمّة أشهرٌ إضافيّة للقدرة على مواصلة العيش بهذه الطريقة. لم يعد هناك مخزون. لم يعد هناك فائض. لم يعد هناك تقشّفٌ إضافيّ. لم يعد أحدٌ يديّن أحدًا. لم يعد أحدٌ يعطي أحدًا. لم يعد أحدٌ يُنجِد أحدًا. ليس ثمّة روبن هود. ولم يعد ينفع التمرّغ والركوع. فإلى أين؟
… ولأن الإبن لن يأكل لحم أبيه. ولأنّ الأب لن يترك ابنه يموت جائعًا، يجب أنْ تعرف السلطة إلى أين نحن ذاهبون.
السلطة يجب أنْ تعرف. ويجب أنْ تتصرّف على ضوء هذه المعرفة.
ولأنّ السلطة عاجزة، ولأنّ العالم كلّه قد نفض يده من لبنان الرسميّ، من السلطة اللبنانيّة، من الحكم، من الحكّام، من الطبقة السياسيّة، فإنّ المنتظَر هو واحد: لا يلومنّ أحدٌ أحدًا إذا جاع. فإذا جاع، فلن يموت جوعًا. وإذا رأى طعامًا، فسيستولي عليه، بكلّ الوسائل. وإذا عرف بوجود مال، فسيفعل المستحيل للحصول على هذه المال، أيًّا تكن النتائج المترتّبة على ذلك.
احذروا صولة الكريم إذا جاع، يقول عليّ بن أبي طالب.
إنّنا ذاهبون إلى جهنّم الحمراء، سقوطًا حرًّا – لكن دمويًّا – وبدون توقّف.