القسم العلمي

الغابات ملائكة تحرس البشرية من خطر التلوث

اليوم العالمي للغابات ليس يوم احتفالات، فالبشر لا يعملون على حمايتها حتى يحتفلوا بها، بل هو يوم لتوعية الناس بأهمية الشجرة والغابات وما تحتضنه من تنوع حيوي يساهم في الدفاع عن صحة البشرية وحمايتها من التلوث وأطنان ثاني أوكسيد الكربون، إذن فهو يوم لصحوة الحكومات للمساهمة في الحفاظ على البيئة بصفة عامة لسلامة مستقبل البشرية.

روما ـ تحيي منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ” الفاو” يوم 21 مارس من كل عام اليوم العالمي للغابات، ويأتي الاحتفال هذا العام 2020 تحت موضوع “الغابات والتنوع الحيوي أثمن من أن نخسرهما”.

ويُراد من الاحتفال بهذا اليوم إذكاء الوعي بأهمية جميع أنواع الغابات، بعد أن كنا ننظر لفترة طويلة من الزمن إلى الشجرة على أنها تستخدم لأغراض وظيفية أو تزيينية بحتة، أو كأشياء في الخلفية أو على الهامش، فهي تزين شوارع المدن، وتوفر لنا أماكن مظللة تحمينا من أشعة الشمس ونقصدها للراحة والاستجمام.

وتوفر لنا أيضا الورق والوقود والفواكه والمكسرات، وهذه الفوائد واضحة تماما، لكن فوائدها الحقيقية لا تكاد تشاهد بالعين المجردة، فالغابات تعمل بهدوء في الخلفية، وتقوم سرا بتنظيف مياهنا، وتصفية هوائنا، وحمايتنا من تغير المناخ. وهي الملائكة التي تحرس أكثر من مليار شخص، وتوفر الغذاء والدواء والوقود لأولئك الذين قد لا يستطيعون الوصول إلى هذه الموارد من أي مصدر آخر. وهي موطن لأكثر من ثلاثة أرباع التنوع البيولوجي للأرض في العالم، وللكثيرين من أفقر سكان العالم.

لهذا في كل احتفال باليوم العالمي للغابات، تشجع الدول على بذل المزيد من الجهود المحلية والوطنية والدولية لتنظيم أنشطة ذات علاقة بالغابات والأشجار، مثل حملات التشجير.

وفي احتفال العالم باليوم العالمي للغابات هذا العام، تسلّط الفاو الضوء على الصلات بين الغابات والتنوع البيولوجي الثري الذي تدعمه.

وتعترف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بالدور الحيوي للغابات في تأمين مستقبلنا. وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 2017، أولى خطط الأمم المتحدة الاستراتيجية للغابات لعام 2030.

وتتضمن الخطة مجموعة تتألف من ستة أهداف عالمية متعلقة بالغابات و26 غاية مرتبطة بها، يتعين بلوغها بحلول عام 2030، ولا شك أن هذه الغايات جديرة بالإعجاب، ولكننا لم نحقّق بعد التقدم المنشود على هذا الدرب.

تنوع بيولوجي في خدمتنا

تغطي الغابات ثلث مساحة اليابسة على الأرض، وهي موطن ما نسبته 80 في المئة من جميع الأنواع التي تعيش على البر. وتوفر الغابات للبشرية طائفة من خدمات النظم الإيكولوجية، وهي تحافظ على مجمعات المياه الأساسية، كما تؤثر على المناخ العالمي وأنماط هطول الأمطار.

والتنوع الحيوي هو تنوع أشكال الحياة على الأرض ومقياس للاختلاف على المستوى الجيني والنظام الإيكولوجي، وعادة ما يكون التنوع أكثر بالقرب من خط الاستواء، لأن المناخ دافئ والإنتاجية الأولية عالية، وحيث يوجد أكثر من 10 آلاف نوع من الطيور، و200 ألف نوع من النباتات الزهرية، وما يقارب مليون نوع من الحشرات في العالم، وهناك أكثر من 1.5 مليون نوع معروف حاليا، وعلى الرغم من أن هذا العدد يبدو كبيرا، إلا أنه يعتقد بأن هذا العدد ليس سوى جزء صغير من عدد الأنواع الموجودة اليوم.

ويتم تحديد أنواع جديدة كل يوم، ويقدر أن هناك ما بين ثلاثة إلى خمسين مليونا من الأنواع المختلفة التي تعيش على الأرض.

هذا التنوع البيولوجي يواجه اليوم تهديدا متعاظما جراء التغيرات المناخية المتسارعة واجتثاث الغابات والصيد الجائر، إضافة إلى عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية. وعدم مواجهة الأمر بسرعة وحسم سيزيد بشكل كبير من خطر فقدان الأنواع النادرة إلى الأبد.

ودقّ المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية في العالم ناقوس الخطر، محذرا من أنّ سلامة نظمنا الإيكولوجية تتراجع بسرعة غير مسبوقة، وأن معدلات انقراض الأنواع آخذة في التسارع. ولا بد لنا من التحرك سريعا لوقف هذا الاتجاه وعكس مساره.

حماية الغابات جزء من الحل الذي ننشده خاصة وأن أحدث الدراسات كشفت أن انتشار الأوبئة يأتي بسبب إزالة الغابات، فقد كشفت دراسة أجراها باحثون أستراليون أن 20 في المئة من زيادة خطر انتشار الملاريا في المناطق الساخنة تأتي بسبب إزالة الغابات لاستغلال الأرض في الزراعة.

وتوافقت نتائج الدراسة مع بعض الدراسات السابقة التي كشفت أيضا عن أن إزالة الغابات تتسبب في زيادة خطر انتقال الملاريا، حيث تتهيأ الظروف التي ينمو فيها البعوض في المناطق الأكثر دفئا وعدد أقل من الحيوانات المفترسة.ووفقا للباحثين، فإن الإبقاء على الغابات يحد من انتشار الملاريا والأوبئة عامة، كما سيساعد على الحد من فقدان التنوع البيولوجي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري أيضا.

وقالت الباحثة الهندية الأصل المشاركة في الدراسة الدكتورة أرونيما مالك في جامعة سيدني، “تعد هذه الدراسة هي الأولى لتقييم دور الاستهلاك العالمي في زيادة إزالة الغابات، وبالتالي خطر انتشار الملاريا.. كما يعد الاستهلاك البشري غير المستدام هو الدافع الواضح لهذا الاتجاه”.

وأضافت “لقد حققنا ذلك من خلال الربط الكمي بين الإصابة بالملاريا أولا بإزالة الغابات، ثم بإنتاج السلع الأولية، ثم وصلنا بعد ذلك بشبكات سلسلة التوريد العالمية وفي نهاية المطاف بطلب المستهلكين العالمي”.

بدوره يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دور البشر في تدوهر البيئة والمناخ قائلا، “إن بيئتنا العالمية تتدهور بسبب خياراتنا التي لا تتوافق مع مطلب الاستدامة، فالطريقة التي نستهلك بها الموارد الطبيعية تعجّل بفقدان التنوع البيولوجي وتزيد من حدة تغير المناخ”.

ويحث بمناسبة اليوم العالمي للغابات، جميع الحكومات والمؤسسات التجارية وجهات المجتمع المدني على اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف إزالة الغابات وترميم الغابات المتدهورة، لكي يتسنى للأجيال المقبلة التمتع بمستقبل أوفر صحة وأكثر مراعاة للبيئة.

ويرى الخبراء أن تأثير التدخلات البشرية وضعف الحكومات يؤثر على التنوع البيولوجي، مشيرين إلى وجود رابط قوي بين الحكومات المحلية غير الفعالة أو الضعيفة والتناقص المطرد في أعداد الأنواع البرية.

وكانت منظمة الفاو قد أطلقت المبادرة العالمية لرصد الغابات لتتبع الدعم الدولي لتنمية قدرات البلدان النامية في مجال رصد الغابات من أجل مواجهة التغير المناخي.

وتعتبر بوابة جرد أنشطة المبادرة العالمية لرصد الغابات منصة شاملة توفر معلومات يسهل الوصول إليها بشأن أكثر من 400 نشاط لرصد الغابات في 70 دولة نامية عبر أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. ويمكن للمستخدمين البحث عن المعلومات حسب البلد أو المنطقة، ونوع أنشطة رصد الغابات، والجهات المانحة.

بالوعات الكربون

تشبه الغابات والأشجار سوبرمان من وجوه عديدة، فهي التي تدافع عن البشر والأرض في المعركة ضد تغير المناخ، وهي التي تجعل مدننا أكثر استدامة من خلال تبريد الهواء بشكل طبيعي، وإزالة الملوثات، إذ تمتص ما يعادل حوالي 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام.

والغابات هي التي تحمي صحتنا من خلال منحنا أماكن نلجأ إليها طلبا للراحة، كما أنها تعالج تدهور الأراضي، وتتصدى لفقدان التنوع البيولوجي من خلال توفير الموائل للحياة النباتية والحيوانية، لكنها لم تعد تحتمل مقاومة ما يخلفه الإنسان.

ناقوس الخطر
كشفت دراسات عديدة أن الغابات الاستوائية تفقد قدرتها اليوم على امتصاص ثاني أكسيد الكربون عقودا قبل الموعد المتوقع، حيث يؤدي تغير المناخ إلى إبطاء النمو وقتل الأشجار، وقد كانت هذه الغابات بمثابة مخزن عالمي حاسم للكربون، مما يساعد على تخفيف الانبعاثات من أنشطة بشرية ملوثة.

وحذر باحثون في دراسة نشرتها مجلة “نيتشر كوميونيكيشنز” مؤخرا، من أن غابة الأمازون اقتربت من نقطة اللاعودة بسبب التغير المناخي وقد تتحول إلى سهول قاحلة في غضون 50 عاما.

وأشار الباحثون في الدراسة نفسها إلى أن نظاما بيئيا رئيسيا آخر هو الحاجز المرجاني في البحر الكاريبي قد يندثر بعد 15 عاما إذا ما تجاوز هو أيضا نقطة اللاعودة.

وحذر هؤلاء من أن هذه التغيرات قد تكون لها انعكاسات كارثية على البشر والأنواع الحية الأخرى التي تعتمد على هذه المواطن الطبيعية.

وفي الحالتين، تعود الأسباب في هذه التعديلات الحاصلة إلى التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري والأضرار البيئية وقطع الأشجار في ما يخص غابة الأمازون، والتلوث وارتفاع الحموضة في مياه المحيطات في حالة الشعاب المرجانية.

وتفيد أعمال خبراء المناخ في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في منظمة الأمم المتحدة، بأن 90 في المئة من الشعاب المرجانية في المياه الضحلة ستتأثر سلبا إذا ارتفعت حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

وإذا بلغ الارتفاع درجتين مئويتين، فقد تختفي هذه الشعاب بشكل شبه كامل. وقد ارتفعت حرارة الأرض حتى الآن درجة مئوية واحدة.

وعلى صعيد غابة الأمازون، فإن نقطة اللاعودة غير واضحة تماما، إلا أن العلماء يعتبرون أن خسارة 35 في المئة من مساحتها، سيطلق عملية اختفائها.

وكشفت الأقمار الصناعية أن غابات الأمازون فقدت 181 ميلا مربعا من الغابات خلال الشهرين الأولين من عام 2020، مقارنة بـ106 أميال مربعة في يناير وفبراير من عام 2019، ما يعني أن معدل إزالة الغابات في الأمازون في يناير وفبراير أعلى بنسبة 70 في المئة مما كان عليه خلال نفس الفترة من عام 2019.

وقال كارلوس نوبري من جامعة ساو باولو، “لا يمكن تفسير الزيادة في معدلات إزالة الغابات بأي عامل مناخي”، مضيفا “من المحتمل أن يرجع السبب فقط إلى العوامل البشرية، فإن الشعور بالإفلات من العقاب لمجرمي البيئة ونظام تطبيق القانون الضعيف جدا هو ما يسبب ذلك”.

وحذر المعد الرئيسي للدراسة، سايمن ويلكوك، من جامعة بانغور، “يجب أن تستعد البشرية لتغيرات جديدة أسرع بكثير مما كان متوقعا”. معتبرا مع زملائه أن النظام البيئي في الأمازون قد يصل إلى نقطة اللاعودة اعتبارا من العام المقبل.

وأوضح أن حرائق الغابات التي خرجت عن السيطرة في الأمازون وأستراليا تشير إلى أن الكثير من الأنظمة البيئية “باتت على شفير الهاوية”.

وأكد ألكسندر انطونيلي من حدائق كيو الملكية النباتية في لندن الذي لم يشارك في الدراسة، قائلا “إذا لم نتحرك بسرعة قد نوشك على خسارة إحدى أكبر الغابات المدارية وأكثرها تنوعا التي تتطور منذ 58 مليون سنة ويعتمد عليها عشرات الملايين من الأشخاص في عيشهم”.

وقد تشهد الأنظمة البيئية التي تعاني ضغوطا، تغيرات سريعة أحيانا، بعد أن درس الباحثون تغيرات مماثلة في 40 منطقة طبيعية بمساحات مختلفة.

وُصف عام 2020 بأنه ”سنة الطبيعة بامتياز“، ولذلك يجب أن يكون العام الذي نعكس فيه مسار إزالة الغابات وفقدانها.

وسيعقد مؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي في شهر أكتوبر اجتماعه الخامس عشر الذي يهدف إلى اعتماد إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020. ولا بد أن يتضمن هذا الإطار أهدافا طموحة جديدة يمكن من خلالها حماية الطبيعة ومواجهة الأسباب المؤدية إلى فقدانها، علاوة على آليات قوية للتنفيذ والتمويل.

صحيفة العرب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى