التدخل التركي أدى لنتائج كارثية في المنطقة.. وتوظيف الإسلام السياسي حقق بعض أهداف طهران وأنقرة
شهدت شعبية حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انخفاضاً كبيراً في الشارع التركي، حيث أظهر استطلاع رأي أجراه حزب الشعب الجمهوري – أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا – تراجع شعبية حزب أردوغان الحاكم إلى 35 % في الشارع التركي، بسبب سياسات النظام وتورطه في دعم جماعات الإرهاب بالعديد من الدول واحتضانه قيادات التنظيمات المسلحة وعناصر الإخوان الهاربين من دولهم، وكذلك الوضع الاقتصادي التركي الهش، إذ يعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار قيمة العملة، وتنامي مستويات الديون، هذا إلى جانب قمع الشعب الذي يخشى من التعبير عن آرائه السياسية
وفي إطار السياسة التركية القائمة على استهداف الاستقرار العربي يسعى النظام جاهداً وفقاً للوقائع الملموسة للاستفادة من أجواء الحرب الليبية وتصعيد الأزمة، حيث يمارس النظام التركي تأجيج الصراعات الإقليمية عبر توفير الملاذ الآمن والدعم العسكري واللوجستي لتنظيمات وميليشيات مارقة.
ويتحدث لـ»الرياض»، المحلل السياسي التركي تورغوت أوغلو، في حوار يكشف خلاله عن الأسباب الرئيسة وراء رغبة أردوغان في غزو ليبيا، والرغبة التركية في تقسيم سورية، والترنح التركي بين روسيا وأميركا وأسباب توتر العلاقة بين بوتين وأردوغان، وأحلام أردوغان بالخلافة وتدخلاته في المنطقة اقتداء بالنظام الإيراني.. وفيما يلي نص الحوار:
لماذا يسعى النظام التركي لغزو ليبيا ونشر مرتزقة لدعم ميليشيات طرابلس؟
من الواضح أن أردوغان منذ المواجهة الكلامية بينه وبين شمعون بيريز في مؤتمر دافوس 2009 وحادثة سفينة ماوي مرمرة إلى قطاع غزة في مايو 2010، ينتهج أردوغان سياسة قائمة على أيديولوجية الإسلام السياسي سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية. ويمكن اعتبار ذلك نزول أردوغان من قطار الديموقراطية وعودته إلى ضبط مصنعه الأول الذي ورثه من شيخه الراحل نجم الدين أربكان. وأعتقد أن هناك أربعة أسباب رئيسة وراء رغبة أردوغان في غزو ليبيا:
1- العامل الاقتصادي: يبحث أردوغان عن موارد ومصادر اقتصادية جديدة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة الحالية، ويرى حقول الغاز والبترول في ليبيا صالحة لتحقيق هذا الهدف.
2- العامل الأيديولوجي: يسعى أردوغان إلى تقديم مساعدات إلى حكومة فايز السراج المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك انطلاقًا من التضامن الأيديولوجي بين الطرفين، خاصة بعد تقدم قوات الجيش الوطني الليبي نحو مدينة طرابلس.
3- العامل العسكري: بعد تضييق النظام السوري المدعوم من قبل روسيا وإيران على أردوغان في سورية، خاصة في مدينة إدلب، بات أردوغان في حاجة ماسة إلى ساحة جديدة ومهمة جديدة للعناصر الإرهابية القتالية، فرأى الأراضي الليبية مناسبة لذلك وبدأ ينقلها إليها. أردوغان كما أنه يحاول توظيف تلك الجماعات المرتبطة بالقاعدة وداعش في موقفه في ليبيا، كذلك يبقي قسمًا منهم في الداخل التركي ليكون منهم جيشًا موازيًا للجيش الوطني. وقد كُتبت تقارير أن صراعاً اندلع بين قادة في الجيش التركي بسبب ضمّ أردوغان حوالي 500 مقاتل سوري إلى صفوف الجيش بعد منحهم الجنسية التركية.
4- العامل الداخلي: أردوغان دائماً ما يستغل عملياته وبطولاته الخارجية المزعومة في الداخل التركي في رصّ صفوف مؤيديه والحفاظ على شعبيته لدى الشريحة المحافظة القومية المولعة والمنخدعة بسهولة بالانتصارات العسكرية.
على خلفية ما حدث في إدلب مؤخراً.. كيف ترى ما آلت إليه العلاقات «التركية – الروسية»؟
العلاقات التركية – الروسية قائمة على علاقات أردوغان الشخصية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أكثر من العلاقات المؤسسية بين الطرفين، لذا يمكن وصفها بالهشة القابلة للانهيار في أي لحظة. كل من أردوغان وبوتين يحاولان الاستفادة من علاقاتهما لإقامة توازن في المنطقة تجاه الولايات المتحدة. فكما أن أردوغان يهدد الغرب بفتح الطريق أمام روسيا في المنطقة، كذلك يهدد بوتين إياه (الغرب بقيادة واشنطن) من اختطاف أردوغان وكذلك تركيا العضو في الناتو إلى المعسكر الأوراسي. وقدم كل منهما أداء جيدًا حتى اللحظة. لكن العلاقة بين بوتين وأردوغان تقترب من النهاية، حيث اضطر أردوغان وكذلك المعارضة السورية بشكل أو بآخر الانسحاب من جميع الأراضي السورية، حتى وصل الأمر اليوم إلى إدلب. بوتين الداعم للأسد ووحدة الأراضي السورية يطالب أردوغان بإخلاء الجماعات الإرهابية من إدلب، من خلال استخدام العديد من الأوراق الرابحة، مثل الملفات التي تتعلق بتعاون أردوغان مع التنظيمات الإرهابية.
كلما زاد بوتين من ضغوطه على أردوغان من أجل الجلوس على الطاولة ذاتها مع الأسد يقترب أردوغان من النهاية التي ستظهر خسارته في المنطقة، أكبرها كان إسقاط الأسد وإنشاء دولة تابعة له.
والأمر الآخر أنه كلما تفاقمت المشكلات بين بوتين وأردوغان تفاقم معه الصراع الداخلي بين حزب أردوغان وتنظيم أرجنكون – الدولة العميقة الذي تتقاطع مصالحها في الوقت الراهن مع المصالح الروسية -، وأعتقد أن الصراع الداخلي بين الطرفين سيصل إلى أوْجه قريبًا، وأردوغان يشعر بذلك ويعدّ «حراس الليل» المسلحين لمثل هذه المواجهة. غير أن موقف أردوغان يبدو ضعيفًا تجاه هذا التنظيم العريق، حيث يتكون أعضاؤه من العسكريين الموظفين حالياً أو المتقاعدين، ويتمتعون بذكاء عسكري ويتميزون باحترافية على عكس عناصر أردوغان شبه المسلحة المبتدئة.
ما الذي أحدثه النظام التركي في الداخل السوري؟
السياسات الطائفية لكل من أردوغان والأسد في سورية قسمتها إلى ثلاثة أقسام على أقل تقدير؛ النظام السوري الحالي الذي استطاع استرداد معظم أراضيه من المعارضة ويتمركز في دمشق بفضل حليفيه الإيراني والروسي. وكذلك هناك إدارات كردية محلية أقيمت بالأمر الواقع في شمال وشرق سورية تحت حكم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري أو وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من طرف واشنطن. أما الثالث فهو المعارضة السورية المؤيدة من تركيا والتي خرجت كل الأراضي التي سيطرت عليها في البداية حتى اضطرت الآن إلى الاكتفاء بإدلب. لكن التطورات في الساحة تدل على أن أردوغان وبالتالي المعارضة السورية إلى قبول قيام قوات النظام السوري بتأمين الطريقين السريعين M5 و M4 أيضًا، والاكتفاء بالوجود في نصف إدلب فقط.
من جانب آخر، لقد استطاع أردوغان بالتعاون مع المعارضة تأسيس ما سماه ممراً أمنياً يبدأ من عفرين في الغرب وينتهي عند نهر الفرات في الشرق. وفتحت تركيا في هذه المنطقة مدارس ومستشفيات وأسست إدارات محلية وقوات أمنية وعسكرية. وسكان هذه المنطقة يتكون معظمهم من التركمان والعرب، لكن أردوغان ينشئهم على أيديولوجيته المتطرفة. ومع أن المعارضة السورية في هذه المنطقة لا تخوض حربًا ضد قوات الأسد إلا أن نهاية هذه المنطقة مجهولة في ظل تقدم قوات النظام السوري. سورية المقسمة إلى هذا الحد هي نتيجة أحلام أردوغان بالخلافة أو سياسات العثمانيين الجدد.
وافق مجلس الشيوخ الأميركي على قرار فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الروسية «S-400»..
كيف ترى مستقبل العلاقات التركية – الأميركية في ظل العقوبات؟
العلاقات التركية – الأميركية شبيهة بالعلاقات التركية – الروسية، حيث نرى هنا أيضًا أن العلاقات الشخصية بين أردوغان وترمب هي التي تسيطر على طبيعة العلاقات بين الطرفين. لكن هذه العلاقة ليست قائمة على الحب المتبادل بل على المصالح. وأردوغان يحاول إقامة معادلة بين واشنطن وموسكو اللتين تحوزان أوراقاً عديدة تمارسان بها ضغوطاً على أردوغان الذي يلجأ إلى أحد الطرفين بحسب قوة الضغط في مواجهة الطرف الآخر. فكما أن بوتين يلوح في وجه أردوغان ورقة «التعاون ضد الإرهاب في سورية»، كذلك يلوح ترمب بالخرق التركي للعقوبات الأميركية على إيران. هكذا موقف أردوغان مذبذب ومترنح بين هذين القطبين وفقاً لحاجته أو قوة الضغط الممارس عليه. لكن الأحداث وصلت اليوم إلى مرحلة بحيث تجبر أردوغان على اختيار صفه بشكل واضح.
موقف أردوغان صعب للغاية، حيث سلم زمام الأمور في تركيا إلى تنظيم أرجنكون الموالي لروسيا خاصة بعد مؤامرة الانقلاب ضد الجيش الوطني بالتعاون مع حلفائه المتطرفين وأعضاء هذا التنظيم. الأمارات تظهر أن مصالح أردوغان في سورية بدأت تتعارض مع مصالح بوتين، وأنه يرغب الآن في تحويل دفته إلى المعسكر الأميركي مجددًا، مما سيدفع بوتين خارجيًا وأرجنكون داخلياً إلى توجيه سهامهما إلى أردوغان.. لا أرى مستقبلاً مشرقًا لأردوغان في ظل هذه الظروف، سواء أخذ صفه إلى جانب أميركا أو روسيا.
سعت تركيا وإيران، على حد سواء، إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحهما..
ماذا بعد؟
للأسف الشديد، كل من إيران وتركيا تسعيان إلى تحقيق أهداف قومية من خلال توظيف الإسلام السياسي. نرى أن نظام أردوغان في ذلك اقتدى بشقيقه النظام الإيراني الذي يسعى إلى التوغل في دول المنطقة عبر الطائفة الشيعية أو جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان المسلمون.
لكن كما أن التدخل الإيراني أحدث مزيدًا من الاضطرابات في المنطقة وزاد مشكلات دول المنطقة ومشكلات تلك الأذرع الداخلية الشيعية، كذلك فإن تدخل أردوغان في المنطقة بشكل مخالف للقانون المحلي والدولي بطريقة مماثلة لإيران أدى إلى النتائج ذاتها، بل أخطر منها، حيث تركيا دولة سنية، والسنة يشكلون الأغلبية في المنطقة، وتوظيف هذا العدد من الجماعات في مشروع أردوغان أسفر عن نتائج كارثية كما تشهدها المنطقة اليوم، بدءًا من سورية والعراق واليمن وانتهاءً بليبيا.
وبعد الآن من الصعوبة بمكان أن يعود إلى سابق عهده الذي كان يؤسس سياساته الخارجية على مبادئ العلاقات الدبلوماسية في إطار القانون الدولي.. بل تحتاج تركيا من أجل ذلك إلى إدارة جديدة بغض النظر عمن سيكون الزعيم الذي سيحقق ذلك من أجل تركيا وشعبها المرهق بسياسات أردوغان الداخلية والخارجية.
مازال النظام التركي يحتضن العناصر الهاربة من تنظيم الإخوان.. هل تتوقع أن يتفكك هذا الثنائي؟
مع أن أردوغان يظهر وكأنه يتبنى الإسلام، لكنه ليس مخلصًا في ذلك أيضًا، وإنما مصالحه المرحلية اقتضت منه أن يتبنى هذه الفكرة، كما ظهر قديمًا وهو يرتدي رداء الديموقراطية لكنه خلع هذا الرداء عندما شعر بقوته وتمكن من السلطة. أردوغان كان يعادي تنظيم أرجنكون في البداية، وقد اعتقل المئات من العسكريين بتهمة الانتماء إلى هذا التنظيم منذ العام 2007 حتى العام 2013. وفي ذلك الوقت كان متحالفًا مع حركة الخدمة، لكن لما طالبها بالمبايعة مثل الجماعات الأخرى وتسخير مؤسساتها التعليمية والاقتصادية المنتشرة حول العالم في سبيل نشر أيديولوجيته في الدول الإسلامية لهاثًا وراء أحلام الخلافة رفضت تلك الحركة ذلك رغم علمها بحركة التصفية الشاملة التي ستتعرض لها في المستقبل، وحافظت على استقلاليتها وكونها منظمة مجتمع مدني.
كما أن أردوغان كان بدأ مشواره السياسي بجانب المعسكر الغربي لكنه تحول في وقت لاحق إلى المعسكر الشرقي.. بمعنى أن أردوغان رجل متقلب متحول يدور حيث دارت مصالحه.. لذا أنا أفضل وصفه بالبراغماتي.. لذا أعتقد أن أردوغان سيتخلى عن الجماعات المتطرفة في تركيا وكذلك الإخوان في العالم إذا اقتضت مصالحه ذلك في أي وقت، سواء من أجل تحسين علاقاته مع مصر أو سورية أو المملكة العربية السعودية أو تخفيف الضغوط التي ستمارسها تلك الدول عليه في هذا الصدد.
ما سر العداء التركي للبلدان العربية ورغبتها في التمدد بالمنطقة وتصدير الإرهاب؟
أردوغان يسعى وراء مصالحه الشخصية فقط التي تتعارض مع مصالح تركيا والمنطقة وشعوبها، كانت غايته هي التحول إلى زعيم إقليمي بل عالمي مستغلاً شعاراته الإسلامية، لكنه بعيدًا كل البعد عن المبادئ الإسلامية. سعى إلى تحقيق هذه الغاية من خلال ركوب موجات ما يسمى بالربيع العربي وتأييد الأحزاب المتطرفة في كل من مصر وتونس وليبيا. لكن لما سقط حكم الإخوان في مصر وتعقدت المشكلات في سورية بدأ أردوغان يتجه إلى الاستعانة بالتنظيمات المرتبطة بداعش والقاعدة في المنطقة، وما زال هذا التعاون مستمراً إلى اليوم.
بلغ عدد الأشخاص الذين استقالوا من حزب «العدالة والتنمية» أكثر من مليوني شخص، منهم القياديان البارزان علي باباجان وأحمد داود أوغلو.. وما الذي يعكسه ذلك؟
أزعم أنه ليس أي حزب من الأحزاب المنشقة من حزب العدالة والتنمية، سواء كان حزب داود أوغلو أو حزب علي باباجان المرتقب، قادرًا على إنهاء الدكتاتورية في تركيا وإطلاق مرحلة ديموقراطية مجددًا. لكن لا شك أن هذه الأحزاب ستضعف حكم وشعبية أردوغان، من الممكن أن تنتهي هذه الدكتاتورية إذا التقت جهود هذه الأحزاب مع العوامل الخارجية، أعني الضغوطات الدولية. إذا ما قررت الدول الغربية بالمعنى الحقيقي ممارسة ضغوط على أردوغان وإنهاء دكتاتوريته في تركيا، وفتح المجتمع التركي والدولي الطريق أمام الأحزاب السياسية الجديدة والمعارضة، فإن حكم أردوغان يمكن أن يزول في هذه الحالة.
المصدر : جريدة الرياض