عملاء سليماني “العرب” يبكونه… والإيرانيون يمزقون صوره
الأكثر غرابة من الزاوية العربية، كيف استطاع رجل بدموية الجنرال الإيراني أن يوقع بعرب في حبائله، وهو الذي ظهر من قومه الإيرانيون منددين به حياً وميتاً، حتى إن آلة القمع الإيرانية لم تستطع إخفاء مشاهد تمزيق صوره والتنديد بالنظام الذي رمّزه ومطالبته بالرحيل، في وقت يكيل له من يسميهم السعوديون “أيتام سليماني” العرب في لبنان والعراق واليمن وفلسطين المديح، ويتكلّفون الحزن على مصرعه. فمن يمثلون في ذلك، وكيف خُدعوا بظنهم قاسم سليماني يغني عنهم شيئاً، أو أنه كان صادقاً في نصرة قضيتهم؟
تلك قصة طويلة بالنسبة إلى الباحثين في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، الذين وثقوا في دراستهم حول “خريف الغضب العراقي” وأخرى عن تنافس القوى في بغداد، توجهات العراقيين إزاء هيمنة النظام الإيراني على قرارهم السياسي، وفرض قاسم سليماني مليشيا “الحشد الشعبي”، قوة موازية تأتمر بأمره في عقر دارهم.
فبحسب شرائح من العراقيين، لا تزال إيران صاحبة اليد القوية في البلاد، عبر تدخلاتها المباشرة وحلفائها المطبقين لسياساتها، وبالتالي فإن التقارب مع نظامها والتفاهم مع مندوبيه أمثال سليماني مفيد، بسبب انكفاء العرب على أنفسهم، وقصَر نفسهم في دعم عروبة العراق واستقلاله.
لكن الشبان العراقيين الذين ضاقوا ذرعاً بفساد حكوماتهم المتعاقبة المتواطئة مع إيران، كانوا أكثر وعياً باستيعاب أن كُلفة التفاهم مع إيران تعني مصادرة الاستقرار والكرامة، وتحقيق المآرب الخمينية لا العراقية. وهذا ما أشاعت الانتفاضات الجديدة في لبنان والعراق الوعي به في تحليل الباحث السعودي المتخصص في الشأن الإيراني محمد السلمي، فسريعاً ما انتقلت شرارة الاحتجاج إلى الداخل الإيراني الذي جعل يتساءل عما يريد نظامه من إنفاق مقدراته على دولٍ خارج حدوده وشعوب مستقلة، وهو الذي على أبوابه يعاني فقراً وتضييقاً في حرياته وأساسيات عيشه.
قتلى سليماني عرب وايرانيون
غير أنه بالنسبة إلى زعيم حزب الله حسن نصر الله وزعيم جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، فإن قاسم سليماني كان رمز المقاومة، وبالتالي فهو يستحق لقب “شهيد القدس”! هنا استدرك أخيراً حتى بعض المريدين لتيار ما يسمى الممانعة حينا والمقاومة حيناً آخر، وذكّروا مندوبي سليماني في المنطقة العربية بالوهم الذي أسكرهم به الجنرال الذي لم يؤذِ إسرائيلياً واحداً بينما قتل آلاف العرب. فماذا جنى اللبنانيون من حزب الله؟ واليمنيون من الحوثي؟ والفلسطينيون من حماس، غير الانقسام والفقر واللجوء وكراهية الجوار، وخسارة أعداد هائلة من الأنصار والمتعاطفين؟
وكأن الموقف من مقتل سليماني أيقظ في نفوس العديد من المخدوعين به، في لمحة وعي نادرة، أو غضبة لا ندري إذا كانت ستتوسع أم لا، ساعد في تأجيجها أكثر غلو الحمساويين على سبيل المثال في محاولة ابتزاز أشقائهم العرب بإظهار تضامن متكلف مع النظام الإيراني، وإعلانهم النية بإطلاق اسم سليماني على أحد شوارعهم الرئيسة، بما جعل أنصارهم في موقف حرج، أمثال ياسر الزعاترة الذي بنى أكثر صيته الإعلامي في تبني خطاب حماس والشعارات ضد إسرائيل، لكنه لم يجد ما يدافع به نحو تأبين هنية للقاتل سليماني، فأقر بأنه خطأ لا يغتفر، حتى وإن حاول تنميق نقده بأن ذلك لا يلغي دعم الإيرانيين المقاومة على حد زعمه.
الحسين في خدمة سليماني
بينما انشغلت أطراف أخرى بالسخرية من التعاطي الإيراني الخرافي مع مقتل الجنرال الطائفي، والعرب الذين يحاولون مسايرتهم في ذلك، على هيئة “النائحة المستأجرة”، فهذا الكاتب العراقي نضال صابر، يذكّر المتباكين على القتيل بأن الحسين رضي الله عنه الذي زعموا أنه في استقباله، “أنتم وقتيلكم آخر همه”.
ويلخص الخديعة التي أوقع سليماني أتباعه العرب في فخها بملاحظة أنه “لأكثر من ثلاثين عاما تطبل ايران بأنها صاحبة مشروع محاربة اسرائيل من خلال فيلق القدس الايراني ولهذا فهي شكلت أشكال وألوان من المليشيات والفصائل الإرهابية في العراق، لبنان، اليمن، سوريا، فلسطين، وحتى في افريقيا وأمريكا اللاتينية لكي تحارب بهم اسرائيل وتقضي على امريكا والغريب العجيب ان ايران بقيادة شهيد القدس قاسم سليماني قتلت مئات الألوف من سكان العراق وسوريا واليمن ولبنان وهجرت مئات الألوف من سكان العراق وسوريا واليمن وذبحت عشرات الألوف من أطفال العراق واليمن وسوريا لكنها لم تقتل جندي إسرائيلي واحد خلال مشروعها المقدس في تحرير فلسطين وهذا يدل على ان ايران كانت تمرر مشروعها التوسعي وتضحك به على الشعوب العربية والإسلامية”.
ايندبندنت العربية