إيران تُعدّ وكلاءها لإشعال فوضى متناثرة في المنطقة
تشير لقاءات سرية وعلنية عقدها المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي مع قادة الجماعات الموالية لطهران ومع الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر المعارض للنفوذ الإيراني في العراق إلى أن طهران ربما تعدّ لطبخة أساها الفوضى في المنطقة عبر تحريك أذرعها للتنفيس عن مأزقها ولكبح الضغوط القصوى التي تمارسها واشنطن لجرّ الجمهورية الإسلامية إلى تفاوض جديد تحت الضغط حول برنامجيها النووي والصاروخي.
وتصف الولايات المتحدة ودول عربية تلك الميليشيات بأنها أذرع إيرانية تحركها طهران لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وآخر تلك اللقاءات التي لم يكشف عنها من قبل هو ذلك الذي جمع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بخامنئي وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني المكلف بإدارة عمليات الحرس الثوري القذرة في الخارج والذي يشرف عمليا على الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ونشر مكتب المرشد الإيراني الأربعاء على موقعه الرسمي صورة من لقاء ظهر فيه نصرالله متوسطا خامنئي وسليماني وهي أول صورة تنشر للقاء قال مكتب المرشد الإيراني إنه عقد منذ بعض الوقت في طهران.
وجاء نشر الصورة على غلاف العدد الأول من مجلة ‘مسير’ من إصدار مكتب حفظ ونشر آثار خامنئي والتي ضمت أيضا حوارا مطولا مع نصر الله، نُشر على أجزاء وخاض فيه الأمين العام في أكثر من موضوع بداية بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وحرب تموز 2006 وثورات الربيع العربي والاحتجاجات في سوريا التي تحولت إلى حرب أهلية.
وقال نصرالله إن حزب الله وعد خامنئي في حرب تموز(مع إسرائيل) بأن يتحول إلى قوة إقليمية لا تهزم.
وحزب الله حليف قوي لإيران ويأتمر بأوامرها رغم إصراره في خطاباته الداخلية الموجهة للاستهلاك الإعلامي على أنه قوة مقاومة لبنانية وأنه يملك قراره، لكن نصرالله لم يخف في السابق أن ولاءه لولاية الفقيه وللثورة الإسلامية.
وكان نصرالله قال في تصريحات سابقة “نخوض معركة كبرى وتحاول أميركا وإسرائيل أن تحاصر مخيمنا. وقائد مخيمنا اليوم هو الإمام خامنئي ومركزه الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وسبق أن التقى خامنئي في طهران في أغسطس/اب بقادة من ميليشا الحوثي اليمنية في ذروة التوتر الأميركي الإيراني وبعد هذا اللقاء كثّف المتمردون من هجماتهم على الأراضي السعودية بطائرات مسيرة وبصواريخ باليستية إيرانية الصنع.
وتعرضت منشأتا نفط سعوديتان في 14 سبتمبر/أيلول لأسوأ هجوم تسبب في توقف نصف الانتاج السعودي تقريبا وتبنته جماعة الحوثي، لكن واشنطن والرياض أكدتا أنه هجوم إيراني.
وفي الفترة الأخيرة استقبل المرشد الأعلى في إيران زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر الذي يمثل خطا وطنيا وحاول مرارا الدفع بهذا الاتجاه على الأقل بحسب ما هو معلن وهو المعروف أيضا بمعارضته الشديدة للنفوذ الإيراني في العراق، فيما كانت تسود خلافات بين مرجعية النجف المحلية ومرجعية قم الإيرانية وهي خلافات نفوذ وسيطرة.
ويعتقد أن استقبال الصدر الذي جرى في وقت سابق من سبتمبر/ايلول كان ضمن محاولات خامنئي لترميم التصدعات في جبهة الميليشيات الشيعية العراقية واستقطاب رجل الدين النافذ الذي نجح مرارا في تحريك الشارع العراقي ضد الحكومة التي يقودها الشيعة (وفق المحاصصة السياسية والطائفية).
وفاز التيار الصدري الذي تحالف مع الشيوعيين ضمن كتلة ‘سائرون’ بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الماضية في تزاحم مع كتلة الفتح التي يقودها هادي العامري أحد رجال إيران المخلصين في العراق وقائد ميليشيات بدر. كما حلت حينها كتلة ائتلاف النصر التي يقودها رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي في المرتبة الثالثة.
وفي ظل الخارطة السياسية التي تبدلت نوعا ما في العراق وسط صراع شيعي – شيعي، سعت إيران لتعزيز جبهة الشقّ الأكثر ولاء لها من دون التخلي عن استقطاب الشقّ الآخر ومن ضمنه الصدر.
وسبق لممثلي المرشد الأعلى في إيران أن أجروا العديد من اللقاءات مع قادة الفصائل الشيعية العراقية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي.
كما اجتمع الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في أكثر من مناسبة مع قادة الحشد في العراق.
واللافت في كل هذا هو توقيت التحرك الإيراني وعلى أعلى مستوى حيث يمثل علي خامنئي مرشدا روحيا لجماعات الإسلام الشيعي المتشددة.
ويعتقد أيضا أن اللقاءات التي عقدها بداية مع قادة من الحوثيين ثم مع مقتدى الصدر وأخيرا مع نصرالله تأتي ضمن إعادة ترتيب الأولويات السياسية والميدانية وتشير إلى دفع لتعزيز دور الإسلام الشيعي ومواصلة تصدير الثورة الإيرانية للتمدد في المنطقة.
والأمر لا يخلو أيضا من سعي محموم لتعزيز الجبهة في مواجهة الضغوط الأميركية القصوى التي دفعت الاقتصاد الإيراني إلى حافة الهاوية على الرغم من الدعاية التي لا تهدأ بأن إيران قادرة على الصمود والتكيّف مع العقوبات الأميركية.
خامنئي هو من أعطى على الأرجح الضوء الأخضر لشنّ أوسع هجوم على منشأتي نفط سعوديتين في 14 سبتمبر
وقد تكون تلك اللقاءات أيضا تحضيرا للمرحلة القادمة حيث تتحسب إيران لعمل عسكري مع بدء واشنطن تشكيل تحالف دولي موسع تحت عنوان حماية أمن الملاحة البحرية في مضيق هرمز وبحر عمان وتأمين ناقلات النفط في تلك المضائق المائية الحيوية لإمدادات العالم من الطاقة.
وتبدو فرضية العمل العسكري ضد إيران مستبعدة في الوقت الراهن مع تركز واشنطن على إضعاف طهران اقتصاديا وإرباكها داخليا من خلال عقوبات قاسية شملت عصب الاقتصاد الإيراني (النفط والقطاع المصرفي).
وليس واضحا ما الذي يمكن أن يقدم عليه وكلاء إيران في المنطقة، إلا أن سلسلة من الأحداث المتسارعة تشير إلى سيناريو فوضى محتمل قد يعمل عليه هؤلاء بإيعاز من خامنئي.
وكانت معلومات سابقة قد أكدت أن الهجوم على مجمعي بقيق وخريص أكبر وأهم مجمعين لتكرير الخام وإنتاج النفط، قد تم بإيعاز من خامنئي ذاته وأن الحرس الثوري هو من تولى هذه المرّة تنفيذ تلك الاعتداءات التي أدانها العالم وحمّل إيران المسؤولية عنها رغم ادعاء جماعة الحوثي أنها هي من نفذها.
ومن غير المستبعد أن يلجأ خامنئي أعلى مرجعية دينية وسياسية مرة أخرى لسيناريو مماثل ومتناثر، لكن هذه المرة في أكثر من مكان وفي توقيتات متباعدة أو متزامنة بحسب الظروف.