“استسلام إيراني” بقناع “وساطة يابانية”
تحبس إيران، حكومة وشعبا، أنفاسها ترقبا بما ستنتجه زيارة رئيس الوزراء الياباني “شنزو آبي” إلى طهران يوم 12 يونيو المقبل، وما تحمله من وساطة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، إذ تعول الأخيرة كثيرا على هذه الوساطة، وهو ما يمكن اعتباره أكبر خطأ استراتيجي يقع فيه أصحاب القرار الإيراني في حساباتهم السياسية للتعامل مع واشنطن وعقوباتها وضغوطها المتصاعدة منذ خروجها من الاتفاق النووي.
تأتي هذه الزيارة وسط ضغوط متزايدة على إيران من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة، وبعد فرض عقوبات أميركية جديدة على قطاع البرتوكيماويات – ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية الإيرانية بعد النفط – وبالتزامن مع تأخر تنفيذ الآلية المالية الأوروبية “إينستكس” التي تعهدت بها الدول الأوروبية، ما يعني أن الهدف من هذه الزيارة ليس الوساطة بمعناها الذي تروج له بعض الأوساط الإيرانية، بل إنها فرصة أخيرة لإيران لرفع الراية البيضاء وقبول التفاوض مع الولايات المتحدة بعد تنفيذ الاثني عشر شرطا التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والتي على رأسها أن تتعامل إيران مع المجتمع الدولي كدولة لا ثورة، وتوقف مشروع تصدير الثورة الخمينية وكافة أنشطتها الإرهابية وتدخلاتها التخريبية، وتسحب جميع ميليشياتها المسلحة في المنطقة وتوقف دعمها لأذرعها الإرهابية وعلى رأسها جماعة الحوثي وحزب الله، وهو ما لا يمكن لإيران أن تلتزم به لأسباب عديدة أهمها أن ذلك يتوقف على عدة أمور، أهمها تغيير الدستور الإيراني، وإزالة منصب المرشد، وتفكيك مؤسسة الحرس الثوري وفيلق القدس، وفصل المؤسسات الدينية عن غرف صناعة السياسات في طهران.
ورعم أن هذه الزيارة، تهدف للحد من التوترات القائمة بين طهران وواشنطن، ويرى الكثير من الإيرانيين ضرورة استغلالها لإيجاد الحلول المناسبة التي تحقق المصالح الاقتصادية الإيرانية من خلال هذه الزيارات، إلا أنها لا تحمل إي تراجع عن الشروط التي ينبغي على إيران تنفيذها من أجل تخفيف الضغوط والعقوبات عليها، وقد تكون هذه الوساطة جاءت بناء على طلب من الحكومة الإيرانية بعيدا عن أنظار الحرس الثوري والتيار المتشدد، وذلك أثناء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى اليابان في 16 مايو الماضي، إذ قال الرئيس الأميركي بعد وصوله إلى طوكيو بعد عشرة أيام من زيارة ظريف: “إنني أعتقد فعلا أن إيران لديها الرغبة في الحوار، وإذا رغبوا في الحوار فنحن راغبون فيه أيضا”، ما يشير إلى أن ظريف أبدا استعداد بلاده للتراجع ورفع الراية البيضا شريطة أن يتم ذلك تحت مظلة وساطة يابانية، لتجنب إثارة غضب الداخل الإيراني على الحكومة الإيرانية وتهيئة أكبر قدر من الظروف لإنجاح ذلك.
إن هذا الإستسلام يتم حاليا من قبل الحكومة الإيرانية، التي تحاول فرضه على التيار المتشدد والحرس الثوري بطرق عديدة، وما يشير إلى هذا الاستسلام، أن هذه الوساطة جاءت من قبل اليابان، والمعروف أن السياسة الخارجية اليابانية متأثرة بأميركا، ما يدل على أنها تتم حسب رغبة واشنطن وسياستها الخارجية، ولو كانت وساطة حقيقية لوافقت أميركا على وساطة الصين أو روسيا التي تدعم إيران في مواقفها السياسية وتبني معها علاقات اقتصادية وتجارية.
وحول نتائج هذه الزيارة وما تحمله من وساطة بمعنى الاستسلام، فإن الخبراء والمراقبين للشأن الدولي والإقليمي يعتقدون أن الولايات المتحدة اختارت اليابان لتكون وسيطة بينها وبين طهران بعناية ودراسة، وتوصلت أن اليابانيين هم خير من يستطيع أن يقوم بهذا الدور لكي يقنعوا الإيرانيين على الاستسلام أمام ترامب وإدارته، لا سيما وأن غالبية اليابانيين لا ينظرون إلى إيران بايجابية، إذ ينظر أكثر من 52% من اليابانيين بنظرة سلبية لإيران، وأكثر من 61 % منهم يؤيدون العقوبات الأميركية ضد طهران، فضلا عن أن الحكومة اليابانية تقيم علاقات اقتصادية مع إيران، والأخيرة في أمس الحاجة إلى البضائع والسلع والتكنولوجيا اليابانية، ورفض وساطتها يعني أن طهران سوف تخسر أحد أهم منافذها الاقتصادية.
وحاليا يدرك أصحاب القرار الإيراني أنهم بين خيارين اثنين وأمام فرصة أخيرة، فإما رفع الراية البيضاء والاستسلام للضغوط الدولية والأميركية، وإما خسارة آخر فرصة واسمترار الضغوط والعقوبات في ظل تدهور مستمر ومتزايد للأوضاع في الداخل الإيراني لدرجة خطر الانفجار الشعبي، ما يطرح آخر السيناريوهات المتوقعة، وهو ارتكاب الحرس الثوري حماقة تؤدي إلى توجيه ضربات عسكرية موجعة للنظام الإيراني.
مركز المزماة للدراسات والبحوث