مصير “قطرستان” ما بين التحرير والدمار
لم تغب يوما الأطماع الفارسية في المنطقة عن أذهان الأمة العربية والإسلامية، ولا سيما بعد مجيء الملالي وتأسيس حكم راديكالي متطرف في طهران عام 1979، أي قبل أربعين عاما، وهي أكثر فترة شهدت فيها المنطقة نزاعات وصراعات وحروب وفتن، إذ كان للنظام الإيراني الدور المباشر في إشعال بعض الفتن الطائفية والأزمات والحروب، ودور غير مباشر في إشعال بعضها الآخر.
وتسير إيران في تحقيق أطماعها على منهجين رئيسيين، الأول عن طريق استخدام القوى الناعمة والأدوات الدبلوماسية والأمنية والاستخباراتية بهدف السيطرة على عقول أصحاب القرار والتأثير على الرأي العام المحلي وإحداث اختراق في أهم مؤسسات الدولة، كما هو الحال مع قطر.
والثاني: عن طريق استخدام العنف عبر نشر الفوضى والدمار وبث الطائفية وخلق الحروب لإضعاف الدول المستهدفة كمنفذ رئيسي لتمرير الأجندات الإيرانية وتأسيس جماعات موالية لطهران وبناء قواعد عسكرية، وقد تحتاج إيران إلى الطريقين معا في بعض الدول كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ومن تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وما تنشره الصحافة الإيرانية المحلية حول الشأن القطري، يتضح أن طهران أصبحت تنظر إلى قطر على أنها قطرستان، باعتبارها إحدى المحافظات الإيرانية، وإلى الأمير القطري على أنه عمدة قطرستان الإيرانية، حيث تظهر هذه التصريحات، وطريقة تعامل إيران مع قطر، إضافة إلى حجم التنسيق الإعلامي، وتوافق المواقف تجاه الملفات الإقليمية والعالمية، إلا أن النظام الإيراني قد نجح في تحقيق مطامعه في قطر، واستطاع فرض سياساته على الدوحة وتحويلها كمحافظة وأداة لاستخدامها في خط المواجهة الأمامي مع الأمة العربية والإسلامية.
وخلال السنوات الماضية، أدارت إيران العديد من مخططاتها التوسعية في المنطقة باستخدام الأداة القطرية، وشملت هذه المخططات مجالات إعلامية وتجسسية واستخبارية وثقافية وغيرها، وأدارت قيادات إيرانية تابعة للحرس الثوري غرفا فكرية لدعم الأنشطة الإرهابية والترويج لسياسات إيران في المنطقة ومحاولة تشويه صورة الدول العربية التي تقف في وجه المشاريع الملالية التدميرية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقد ارتفع حجم التآمر الثنائي بين إيران وقطر بعد مقاطعة الدول العربية للأخيرة وإعلانها وضع حد للسلوك الإيراني التخريـبي في المنطقة، غير أن جهود الدول الإقليمية والعالمية الداعمة لمكافحة الإرهاب قد أحبطت الكثير من المخططات الإيرانية القطرية المشتركة والهادفة إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة.
المغالطة تكمن في قول أن قطر قد لجأت إلى أحضان إيران بعد المقاطعة، وهي فكرة يروج لها أزلام النظام القطري في المنطقة، غير أن الحقيقة تكمن في أن العلاقات بين طهران والدوحة قبل وبعد المقاطعة كانت على نفس مستوى التنسيق والتآمر، إلا أن المقاطعة فضحت المستور ونقلت هذه التآمرات والعلاقات من السرية إلى العلنية، لأن أهم أسباب المقاطعة أصلا هو هذه العلاقات والتآمر القطري مع إيران ضد الدول العربية وخاصة الخليجية.
الآن يقف النظام الإيراني على شفا حفرة من الانهيار الحتمي، بعد أن جرّ الشعب والبلاد إلى أزمات وويلات لا يمكن الخروج منها إلا بعد عشرات السنين، فهو يعاني من أزمات مالية واقتصادية خطيرة تهدد بتفكك المؤسسات الحكومية والخاصة، ومشاكل معيشية أصبح المواطن الإيراني غير قادر على تحمل عبئها، وخارجيا يتعرض لعزلة سياسية وعقوبات اقتصادية تضيق الخناق عليه يوما بعد يوم، مع تحركات عسكرية تحشد لها الولايات المتحدة في المنطقة تحسبا لأي تهور أو خطأ قد ترتكبه إيران.
والخطر الأكبر هو المخطط الإيراني الهادف إلى الزج بدولة قطر في أي مواجهة عسكرية قد تحدث بين الولايات المتحدة وإيران، أو الزج بها في حروب الوكالة التي تشنها إيران في أكثر من دولة عربية، فضلا عن استخدامها ودفعها لتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية إرهابية ضد مصالح بعض الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات في حال حدثت أي مواجهة عسكرية في المنطقة أو تعرضت طهران إلى مزيد من العزلة والعقوبات ولا سيما الإصرار الأميركي على تصفير صادرات النفط الإيراني.
مركز المزماة للدراسات والبحوث