إيران.. بين استجداء الوساطات ومسرحية “عدم الاعتداء الإقليمي”
أدرك أصحاب القرار الإيراني متأخرا أنهم وضعوا البلاد في مأزق كبير وبين خيارين اثنين لا ثالث لهما، فإما الخضوع والتفاوض مع الولايات المتحدة والتوصل إلى اتفاق جديد يتضمن الــ 12 شرطا التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي مايك بمبيو، وإما الدخول في مواجهة عسكرية معروفة النتائج لدى الجميع، وهي تكبيد إيران خسائر كبيرة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وعلى ما يبدو، فإن المأزق الإيراني أمام المجتمع الدولي اليوم أكبر مما توقعته القيادة الإيرانية بكثير، التي كانت تعول بعض الشيء على دول أوروبا ودول إقليمية إضافة إلى روسيا والصين، لمساعدتها في مواجهة العقوبات والضغوطات الأميركية، لأن سياسة الاستجداء الإيراني وكافة ما وضعته الحكومة الإيرانية من خطط وبرامج لم تؤت أكلها، وأصبحت اليوم أمام ضربة عسكرية أميركية أو رفع الراية البيضاء والقبول بالتعامل مع المجتمع الدولي كدولة لا كثورة.
لكن الحكومة الإيرانية بعد أن خاب ظنها بالدول التي عقدت عليها الأمل، وتعرضت كثيرا لهجوم وانتقادات التيار المحافظ وقيادات الحرس الثوري بسبب الاتفاق النووي، وآخرها تملص المرشد الأعلى خامنئي من أخطاء سياسات روحاني ومن أي مسؤولية عن الأوضاع المتأزمة في الداخل الإيراني كنتيجة لسوء إدارة الملف والاتفاق النووي، تبحث اليوم عن حل يلطّف أجواء الغضب في الداخل الإيراني من جهة، ويخفف الضغوط عنها من الخارج من جهة أخرى، فبدأت بمباركة من قبل المرشد الإيراني، جولة “استجداء” المواقف و”استعطاء” الوساطات، يقودها ظريف ومساعده في الشؤون السياسية عباس عراقجي، وشملت هذه الجولة العديد من الدول الإقليمية والخليجية، وهدفت إلى دفع هذه الدول للوساطة مع الولايات المتحدة والضغط عليها قدر المستطاع من أجل تخفيف الضغوط والعقوبات، ولتحسين صورة إيران بتقديمها على أنها دولة دبلوماسية تسعى إلى تمكين الحوار على الحروب، وهذه الجولة تكشف مدى الضعف والوهن الذي أصبحت تعاني منه إيران، في وقت يشتد فيه انحدار القطاعات الاقتصادية إلى أدنى المستويات، ويقف فيه الداخل الإيراني على صفيح ساخن يحمل بيده قنبلة موقوته قد تنفجر في إي لحظة بوجه النظام.
وخلال هذه الزيارة قدم وزير الخارجية محمد جواد ظريف مقترحا خارجيا يدعو إلى توقيع اتفاقية “عدم الاعتداء الإقليمي”، وذلك بالتزامن مع اقتراح داخلي قدمه الرئيس الإيراني يدعو إلى إجراء استفتاء على البرنامج النووي، الأمر الذي يكشف مستوى الخطورة التي وصل إليها النظام الإيراني.
وفي الحقيقة، فإن مثل هذه المقترحات، وهذه الجولات، يهدف رموز الحكومة الإيرانية منها إلى شراء الوقت كساحة يمكن المناورة من خلالها لتخفيف حدة التوترات وتبريد أجواء الحرب الساخنة، فهم يسعون بكل الجهود وبشتى الوسائل، إلى الاستمرارية لحين موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة على أمل هزيمة ترامب، غير أنهم أدركوا أن ذلك أمرا صعبا وغير ممكن بسبب ما تركته العقوبات من أزمات وصعوبات لا يمكن مقاومتها إلى حين موعد الانتخابات الأميركية، فلجأوا إلى حيل الزيارات والاقتراحات التي قد تبرد غضب المجتمع الدولي المتزايد تجاه إيران.
إن مقترح ظريف لعقد اتفاقية “عدم الاعتداء الإقليمي” تظهر مدى السياسة الإيرانية الخادعة التي أصبحت مكشوفة لدى الجميع، لأن العداء لم يأت يوما إلا من إيران، ولم تعتدي يوما أي دولة عربية على إيران، وهذه المعاهدة يجب أن توقع عليها إيران بمفردها، وقتها تكون صادقة في مقترحها هذا، وإذا كانت إيران جادة في تخفيف التوتر وقبول العيش بسلام في المنطقة، فعليها أولا أن تقوم بإعادة الجزر الإماراتية وإنهاء إحتلالها، وتسحب كافة قواتها المنضوية تحت فيلق القدس من المنطقة، وتوقف دعمها للميليشيات الحوثية الإنقلابية والميليلشيات العراقية وحزب الله وباقي الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتوقف كافة تدخلاتها وتجسسها وأنشطتها الإرهابية والتخريبية في المنطقة، ثم تطلب بعد ذلك توقيع اتفاقية ما أسماها ظريف “عدم الاعتداء الإقليمي”.
مركز المزماة للدراسات والبحوث