التصعيد الإسرائيلي على غزة… “مفاوضات خشنة”
أذنت الغارات الإسرائيلية التي انطلقت مساء الإثنين على قطاع غزة، ببدء عملية عسكرية موسعة، قد تكون الأولى من حيث كثافتها منذ توقيع اتفاقية وقف النار في عام 2014. وقد تشمل هذه العملية ضرب “العمود الفقري” لحركة “حماس” التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، عبر استهداف مواقع مدنية وعسكرية مهمة تابعة لها، إلا أن خبراء أمنيين استبعدوا لجوء اسرائيل إلى الدخول في حرب شاملة طويلة الأمد. وبدأت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع عقب إطلاق صاروخ من غزة على تل أبيب، أسفر عن جرح 7 أشخاص، وتدمير منزل. وقطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأثر زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، مهدداً غزة بضربة قاسية.
حصيلة التصعيد
بدأت الضربة الإسرائيلية باستهداف مواقع عسكرية تابعة للفصائل الفلسطينية في مختلف محافظات القطاع، تلاها مباشرةً استهداف مبانٍ مهمة لـ “حماس”، من بينها مقرّ لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ومقرّ جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة الموازية في غزة، وشركة الملتزم للتأمين. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن سبب قصف هذه المباني عائد إلى استخدامها في اجتماعات سرية لقيادتَي “حماس” و”كتائب القسام”، جناحها العسكري.وأشار تقديرات إلى أن عدد الأهداف التي ضربتها إسرائيل تجاوز الـ500، مستخدمةً صواريخ ذات قدرة تدميرية عالية تُستعمل للمرة الأولى ضد القطاع.
الفصائل ترد
في المقابل، أصدرت الفصائل الفلسطينية بياناً جاء فيه أنها رفعت جاهزية أفرادها واتخذت قراراً بالرد على التصعيد الإسرائيلي. وفي ضوء هذا القرار، قصفت الفصائل بعشرات الصواريخ مستوطنات “غلاف غزة”، حيث سُمع دويّ صوت صفارات الإنذار.
“مفاوضات خشنة”
من جهة أخرى، رأى الخبير الأمني محمد أبو هربيد أنه “لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلي ضد القطاع عن فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي تجريها الوساطة المصرية لتطبيق التفاهمات التي تمّ التوصل إليها بين حركة حماس وإسرائيل، والتي لم تخرج بنتائج مرضية للطرفين”. وأضاف “المفاوضات الناعمة فشلت في التوصل إلى حل لساحة غزة وتخفيف الحصار الإسرائيلي عليها، بعدما أخذت وقتاً طويلاً من السعي المتبادل للجوء إلى حل وسط لبدء تطبيق التفاهمات. وبعدما أُقفلت كل الطرق، لجأ الطرفان إلى المفاوضات الخشنة، النقاش تحت النار”.وأعاد أبو هربيد فشل المفاوضات بين الطرفين إلى ضيق الوقت أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وانشغاله في انتخابات الكنيست المقرّرة الشهر المقبل، فضلاً عن رفضه بعض شروط “حماس” كي لا يخسر أصوات بعض الناخبين.واعتبر أبو هربيد أن نتنياهو لن يدخل في عملية عسكرية شاملة مع غزة، حتى لا يخسر المزيد من الأصوات، “في ظل امتلاك المقاومة إمكانات عسكرية تُقدَّر بالجيدة”. أضاف “الفصائل الفلسطينية مصرّة على شروطها في ما يتعلق بملف التفاهمات، وهذا ما دفع نتنياهو إلى خيار تنفيذ ضربة عسكرية محدودة، لتجري المفاوضات على التفاهمات تحت النار، وهو ما قد يدفع طرفاً إلى التنازل عن بعض الشروط”.وتشير التقديرات إلى احتمال تدخل الوسطاء المصريين والدوليين في إجراء بعض الاتصالات وممارسة ضغوط للتوصل إلى حلول قد تجنّب المنطقة حرباً عسكرية شاملة. وعلمت “اندبندنت عربية” أن القيادة المصرية بدأت بإجراء اتصالات مع الفصائل الفلسطينية والإسرائيليين من أجل التوصل لوقف إطلاق نار متبادل في غزة.وتوقع أبو هربيد أن “تتواصل الضربة الإسرائيلية المحدودة أياماً عدة، وأن ترتفع حدتها، إلا إذا رفع الجيش الإسرائيلي مستوى الاستهداف وأوقع ضحايا حرب، في حين تردّ الفصائل على قصف طائرات الاحتلال باستهداف مستوطنات غلاف غزة”.ولفت إلى أن “إسرائيل والمقاومة تعطيان الوساطة المصرية فرصة من أجل التدخل لإتمام التفاهمات الأخيرة ولكن تحت النار، في مفاوضات خشنة من أجل تحسين شروط التفاوض وتقريب التفاهمات من أجل تحقيقها”، مؤكداً أن “إسرائيل بحاجة إلى هدوء ونتنياهو لن يذهب إلى حرب واسعة”.
“تصعيد متدحرج”
كذلك قال المحلل السياسي هاني حبيب “القيادة الإسرائيلية تجد نفسها في وضع بالغ الصعوبة والحساسية، في ظل عدم قدرتها على شن حرب واسعة النطاق على القطاع، لأنّها تعلم بأنّه ليس بمقدورها حسم نتيجة الحرب لمصلحتها”.تابع حبيب “العدوان على غزة ينحصر في تصعيد متدحرج، لا يصل إلى حرب واسعة، ويبقى في ظل مواجهة الاستحقاقات المطلوبة لعملية الانتخابية”، مبيّنًا أن الطرفين لا يرغبان في حرب شاملة، ولكل طرف حساباته. واعتبر أن هذا التصعيد مدروس ومخطط له.ولفت إلى أنّ الاحتلال لن يشنّ غاراته على أهداف عسكرية مهمة لـ “حماس”، “وذلك في نطاق الحفاظ على معايير القوى”، مشيراً إلى أن هدف هذا التصعيد دفع عجلة التفاهمات، التي ستبقى مؤجلة حتى انتهاء الانتخابات الإسرائيلية.
المصدر : اندبندنت