غليان داخل النظام الایراني

مأخوذة من جریدة و موقع أمد – الفلسطین
بقلم عبدالرزاق الزرزور
أمد/ أئمة جمعة نظام الملالي يرفعون سقف التحذير وسط انهيار اقتصادي ومفاوضات خارج السيطرة
على وقع انهيار اقتصادي غير مسبوق، وتصاعد التشظّي داخل مؤسسات الحكم باتت خطب أئمة الجمعة في إيران صرخة مدوية تُبصِر الجماهير على هشاشة النظام ودوره في جرّ البلاد إلى المجهول.
أئمة الجمعة.. منابر تنذر بالكارثة
في خضم أزمة اقتصادية خانقة تعصف بجيوب الإيرانيين من انهيار سعر العملة إلى تضخّم جنوني وفقر متزايد لم يعد رجال الدين المقربون من السلطة يتوارون خلف الخطابات التقليدية.. ففي عديد من المدن الإيرانية هتف أئمة الجمعة صراحة: “لا مفاوضات” مع قوى غربية يُنظر إليها على أنها العدو.. هذا الرفض ليس مجرد احتجاج شفهِيّ بل هو إعلان صارخ بأن الطبقة الحاكمة فقدت شرعيّتها في إدارة اقتصاد يفتقر إلى التخطيط والشفافية.
في طهران دفعت الظروف القاسية خطباء الجمعة إلى التطرق إلى قضايا الحياة اليومية: تردٍّ مالي، وبطالة، وغلاء فاحش إلى حد مطالبة شرائح في الحاشية الدينية بإيجاد “حلول سريعة” أو على الأقل “اعتراف رسمي بالفشل”.
انهيار اقتصادي وتجاوب من رجال الدين: نموذج للهشاشة
لا يمكن إغفال أن الاقتصاد الإيراني يعاني من ضغوط ضخمة: عقوبات متجددة، وتهميش للقطاع الخاص، وسيطرة شبه مطلقة للشبكات التابعة للدولة سواء عبر المؤسسات الدينية أو ما يُعرف بالصناديق والمؤسسات الاقتصادية الموازية التي تُدار غالبًا بالواسطة والمحسوبية بدل السوق والشفافية.
النتيجة: فقدان الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر، وانهيار القدرة الشرائية.. الأمر الذي دفع حتى رجال الدين أنفسهم إلى مغادرة معاقل التأييد الرسمي؛ إذ أصبحوا لأول مرة يتخذون موقفًا ناقدًا من سياسات النظام الاقتصادية والمالية.
بين مطرقة الغرب وسندان الشارع: لماذا يرعب التفاوضُ نظام الملالي؟
وبينما تحاول بعض أجنحة النظام البحث عن مخرج من العزلة عبر مفاوضات دولية أملًا في تخفيف العقوبات وتحريك الاقتصاد يأتي رد منابر الجمعة ليقول بصوت مرتفع: أي تفاوض بمثابة استسلام، وأي تنازل هو خيانة للوطن والشعب.
هذا الموقف يكشف تناقضًا داخليًّا صارخًا: النظام الذي يعتمد على الدين لتبرير حكمه يجد نفسه اليوم في مواجهة مع رجال الدين الذين ينظر إليهم عادة كحُماة لشرعية النظام.. فهل بات الدين نفسه أداة ضغط على النظام؟ أم بداية سابقة لانقسام سياسي وربما اجتماعي أوسع؟
ماذا يعني هذا الغليان؟
أولاً: انهيار اقتصادي مزمن لا يمكن طمسه بالخطابات الدينية أو الوطنية.. الإصلاحات الجزئية أو إعادة هيكلة المؤسسات الموازية مثل “بونْيادز” (وهي مؤسّسات اقتصادية–اجتماعية ضخمة في إيران تُعدّ من أهم مصادر السلطة المالية الموازية للنظام، ولها دور محوري في الاقتصاد السياسي للملالي) لم تعد كافية.. النظام يحتاج إلى إعادة بناء شامل وشفافة، وإلزامية للمحاسبة.
ثانيًا: ما بدا سابقًا كـ “جبهة دينية موحدة” ضد الخارج بات اليوم جبهة داخلية تنتقد النظام ذاته، وهذا تحول بكل ما تحمله الكلمة من معنى إن لم يكن انقلابًا.
ثالثًا: رفض المفاوضات لا يعبّر فقط عن موقف سياسي بل هو صرخة بضرورة تحرير القرار من قبضة إيدولوچية عميقة تسمح بإعادة ربط السياسة بالاقتصاد والمصلحة الوطنية لا بالمصالح الفئوية والحزبية.
نظام الملالي على مفترق طرق
حين ترفع منابر الجمعة صوتها عالياً ضد مفاوضات تُهدّد السيادة وتغفل الاحتياجات الحقيقية للمواطنين تتجلّى رسالة واضحة للجميع: النظام في أزمة، وأركان الدولة تتهاوى من الداخل، وإذا لم تتبدّل السياسات الاقتصادية، وتُفتح قنوات حقيقية للمشاركة الشعبية، وتُفرض شفافية صارمة على أداء مؤسسات الدولة (ومن ضمنها الهيئات الدينية والاقتصادية)، فإن “الغليان” لن يبقى كلامًا في خطبة جمعة بل قد يتحول إلى انفجار شعبي.
الخيار لم يعد مفاوضات مؤقتة.. إما إصلاح جذري شامل، أو الانزلاق نحو كارثة لا مفر منها.




