لماذا يرتعد نظام خامنئي من شعبه؟ اعترافات وزير المخابرات تكشف عمق أزمة الشرعية

* بقلم موسی افشار عضو اللجنة الخارجیة للمجلس الوطنی للمقاومة الایرانیة
في اعتراف نادر يعكس عمق الأزمة التي تعصف بنظام إيران، كشفت التصريحات الأخيرة لإسماعيل خطيب، وزير مخابرات النظام وكبير جلاديه، عن حجم التصدعات الداخلية وأزمة الشرعية التي تضرب رأس هرم السلطة. هذه التصريحات، التي جاءت في توقيت بالغ الحساسية والاضطراب، لا تمثل مجرد محاولة يائسة للسيطرة على الأزمة، بل هي انعكاس لمدى الرعب من انهيار التماسك الداخلي للنظام.

وزير المخابرات يشهر سلاح “التخوين” لحماية خامنئي: اعتراف ضمني بأن “الداخل” هو كعب أخيل النظام
في خطاب يعكس بوضوح حجم القلق الذي يعتري أجهزة النظام الأمنية، أطلق وزير مخابرات النظام الإيراني، إسماعيل خطيب، سلسلة من التصريحات التي تكشف عن عمق الأزمة التي يواجهها نظام خامنئي
استهداف “عمود الخيمة”: اعتراف بانهيار الهيبة
في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية وابتعاد قطاعات واسعة من المجتمع عن هيكل السلطة، يأتي اعتراف مسؤول أمني بهذا المستوى حول اتساع نطاق “الهجمات السياسية ضد خامنئي” ليشكل مؤشراً خطيراً على المرحلة الحرجة التي وصل إليها النظام.
فحين يؤكد خطيب أن “عمود ومحور الخيمة هو القائد”، فإنه يعترف ضمناً وبشكل غير مقصود بأن أساس سلطة ولاية الفقيه بات اليوم هدفاً للانتقاد والمعارضة أكثر من أي وقت مضى. ورغم تحذيره من أن “العدو يستهدف مقام القيادة”، إلا أن ما يصفه بـ “الهجمات العدائية” هو في الواقع صدى للسخط المتزايد داخل البلاد، وحتى بين صفوف القوى التي كانت يوماً جزءاً من جسد هذا النظام.
نظرية “التسلل”: ورقة التوت الأخيرة
إن محاولة خطيب نسب هذا المستوى من الانتقادات والتصدعات إلى “متسللين” ليست سوى هروب من الحقيقة المرة. فهذه الأزمة هي نتاج طبيعي لعقود من الفشل، والفساد الهيكلي، والقمع، والأزمات المتراكمة التي عجز النظام عن احتوائها. عندما يضطر مسؤول أمني كبير للتوسل بنظرية “المؤامرة والتسلل” لتبرير تنامي المعارضة السياسية حتى داخل أروقة السلطة، فهذا بحد ذاته دليل قاطع على وصول النظام إلى طريق سياسي مسدود.
الخوف الحقيقي من الداخل لا الخارج
في محاولة لطمأنة الداخل المذعور من شبح السقوط، ادعى وزير المخابرات أن استراتيجية الغرب قد تحولت من “الإسقاط” إلى “الاحتواء بالضغط المتزايد”. لكن هذا الادعاء يكشف عن تناقض صارخ: لماذا يحتاج نظام يدعي التمتع بـ “شعبية عالمية” إلى كل هذه الإجراءات الأمنية المشددة لـ “حماية” الأقليات القومية والمذهبية في الداخل؟
الإجابة واضحة: ما يسميه خطيب “شعبية” ليس سوى رواية دعائية لا تمت للواقع بصلة. لقد كشفت الاحتجاجات الواسعة في السنوات الأخيرة، والجرائم الممنهجة ضد الشعب، والإعدامات، وقمع النساء والشباب، الوجه الحقيقي لنظام ولاية الفقيه أمام العالم.
إن ادعاءه بأن “العدو عاد للتركيز على الداخل لأن المعارضة في الخارج لم تجد لها موطئ قدم” يصب في نفس الاتجاه. فهذه الجملة تكشف بوضوح أن الرعب الحقيقي للنظام لا ينبع من المعارضة الخارجية، بل من الشعب في الداخل ومن الحركات الاحتجاجية التي تزداد اتساعاً وراديكالية يوماً بعد يوم.
“الصيانة الأمنية”: تعبير ملطف للقمع
في ظل هذه الأجواء المشحونة، فإن تشديد خطيب على ضرورة زيادة الرقابة الأمنية على “الأقليات والمذاهب والمجموعات” ليس سوى اعتراف بهشاشة التماسك الداخلي للنظام. ففي قاموس النظام ، كلمة “الصيانة” لا تعني سوى تكثيف السيطرة، والقمع، وتوسيع القبضة الأمنية. لذا، يجب قراءة هذه التصريحات كدليل على القلق العميق للنظام من الانفجارات الاجتماعية المحتملة.

صراعات مفتوحة على كافة الجبهات.. من رسائل بزشكيان إلى “إعدام” روحاني
تشهد الساحة السياسية في إيران تصعيداً غير مسبوق في الصراعات الداخلية بين أجنحة النظام الحاكم، والتي باتت تُعرف بـ “حرب الذئاب”. هذه المواجهات المفتوحة لم تعد مقتصرة على الكواليس، بل طفت على السطح لتشمل كل الملفات الحساسة، من السياسة الخارجية والمفاوضات النووية، مروراً بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم
نهاية حقبة الخوف وبداية المساءلة
من زاوية أخرى، تظهر هذه الاعترافات أن الخطوط الدفاعية للنظام في مواجهة الانتقادات السياسية قد تآكلت بشدة. عندما يعترف أعلى مسؤول أمني في نظام تمحور لعقود حول شخص “القائد” بأن الهجوم على هذا المحور في تصاعد، فهو بذلك يرسم صورة لنهاية حقبة تاريخية. حقبة ولى فيها زمن الخوف والسلبية، وحل محله زمن المساءلة، والاحتجاج، وتجاوز رأس السلطة.
اعترافات من موقع الضعف لا القوة
لا يمكن تبرير هذه التحولات العميقة بملصقات “التسلل” أو “العدو”. إن المجتمع الإيراني، وخاصة جيل الشباب، قد وصل إلى نقطة المواجهة مع النظام ليس بتحريض خارجي، بل نتيجة للحقائق المرة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها. هذه الحقيقة باتت ساطعة لدرجة أن حتى كبار جلادي الأمن لا يستطيعون التغطية عليها.
لذلك، فإن تصريحات خطيب هي مرآة لضعف النظام أكثر منها استعراضاً لقوة جهاز قمعه. فالنظام الذي يتداعى عموده الفقري تحت ضربات النقد والسخط الشعبي، لا يملك خياراً سوى الإقرار بهذه الأزمة. واعترافات وزير المخابرات التي لا مفر منها، هي جزء من هذه الحقيقة المرة التي يواجهها النظام.




