أزمة خور عبد الله: صراع بين العراق والكويت يهدد أمن الخليج

بقلم تادي عواد
في مشهد أعاد إلى الأذهان مشاهد النزاعات الحدودية في تسعينيات القرن الماضي، بثّ التلفزيون العراقي الرسمي مشاهد حصرية تُظهر سفنًا حربية عراقية تقوم بدوريات في منطقة خور عبد الله، المتنازع عليها مع الكويت. هذه التحركات جاءت وسط أجواء مشحونة بالتوتر بعد إلغاء محكمة عراقية لاتفاقية تنظيم الملاحة في الخور، وهو ما رفضته الكويت، معتبرة الاتفاقية ملزمة دوليًا. فهل نحن أمام أزمة إقليمية جديدة قد تهدد أمن الخليج وممرات التجارة العالمية؟
ما هو خور عبد الله؟
يقع خور عبد الله شمال الخليج العربي، بين جزيرة بوبيان (الكويتية) وشبه جزيرة الفاو (العراقية)، ويمثل الممر البحري الوحيد للعراق إلى الخليج، ما يجعله شريانًا استراتيجيًا بالغ الأهمية له. أما للكويت، فهو جزء من مياهها الإقليمية وجزء أساسي من محيط مشروع ميناء مبارك الكبير.
الجذور التاريخية للنزاع
يمتد الخلاف بين العراق والكويت حول الحدود البحرية والبرية إلى ما قبل استقلال الكويت. إلا أن ذروته جاءت بعد غزو العراق للكويت عام 1990، والذي تلاه صدور القرار الأممي رقم 833 في عام 1993، الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين البلدين استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن والوثائق التاريخية.
رغم قبول الحكومة العراقية حينها بهذا القرار تحت الضغط الدولي، إلا أن قطاعات واسعة من الطبقة السياسية والشعب العراقي ظلت تعتبر القرار مجحفًا، لا سيما فيما يخص خور عبد الله، الذي قُلص فعليًا من السيطرة العراقية عليه.
اتفاقية 2012… ثم الإلغاء في 2023
في عام 2012، وقع العراق والكويت اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، بهدف إدارة المرور البحري والتعاون الأمني فيه. الاتفاقية تمّت المصادقة عليها في مجلس النواب العراقي، وسُجلت لاحقًا لدى الأمم المتحدة.
لكن المفاجأة وقعت في سبتمبر 2023، عندما قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلغاء قانون التصديق على الاتفاقية، معتبرة أنه “مخالف للدستور لعدم حصوله على ثلثي أصوات البرلمان”، ما يعني نسف الاعتراف الرسمي العراقي بالاتفاقية.
الكويت ردّت سريعًا، مؤكدة أن الاتفاقية لا تزال سارية و”ملزمة قانونًا بموجب القانون الدولي”، محذرة من أي خطوات أحادية الجانب في الخور.
التصعيد العسكري والإعلامي
في يوليو 2025، بثت وسائل الإعلام العراقية مشاهد أظهرت تحركات عسكرية بحرية عراقية في خور عبد الله، وظهور زوارق حربية قرب حدود المياه الكويتية. وقد اعتبر مراقبون هذه الخطوة رسالة قوية من بغداد بأنها لن تعود إلى اتفاق 2012، بل تنوي فرض واقع ميداني جديد في الخور.
الكويت، من جانبها، عبّرت عن “استياء بالغ” مما وصفته بـ”انتهاك للحدود البحرية”، محذّرة من عواقب تمسّ أمن الخليج واستقرار المنطقة.
أبعاد إقليمية ودولية خطيرة
تتجاوز أزمة خور عبد الله مجرد نزاع حدودي ثنائي، إلى ملف يحمل أبعادًا إقليمية وجيوسياسية حساسة، نذكر منها:
أهمية الممر للملاحة العالمية: أي توتر في خور عبد الله ينعكس على حركة السفن في الخليج، وبالتالي على الاقتصاد العالمي.
مشاريع الموانئ العملاقة: العراق يسعى لبناء “ميناء الفاو الكبير”، فيما تبني الكويت “ميناء مبارك الكبير” في بوبيان؛ والموقع المتنازع عليه يفصل بين المشروعين.
وجود قوى كبرى تتابع بدقة، على رأسها الولايات المتحدة، إيران، السعودية، وتركيا، وكلٌّ له مصالح مباشرة أو غير مباشرة في المنطقة.
العراق يعيش حالة سيولة سياسية وأمنية، مع تصاعد دور الفصائل المسلحة، التي قد تستثمر الملف في خطابها القومي أو المقاوم.
هل من بوادر للتهدئة؟
رغم التصعيد الإعلامي والعسكري، لا تزال هناك قنوات دبلوماسية غير مغلقة:
دول مجلس التعاون الخليجي تدفع نحو احتواء الأزمة بهدوء.
الأمم المتحدة قد تعود إلى لعب دور الضامن، بما أن الاتفاقية مسجلة لديها.
القانون الدولي يُرجح الكفة الكويتية نظرًا للقرارات الأممية واتفاقية 2012.
أزمة خور عبد الله تُمثل اختبارًا حقيقيًا للعلاقات العراقية الكويتية بعد أكثر من عقدين على تحرير الكويت. وإذا لم تُعالج بحكمة دبلوماسية، فإنها قد تتطور إلى أزمة إقليمية تمسّ أمن الخليج العربي بأكمله. المطلوب اليوم ليس فقط الحوار بين بغداد والكويت، بل تحرك عربي ودولي عاجل لضمان عدم انزلاق المنطقة نحو مواجهة جديدة، عنوانها: المياه والسيادة.