المواقع النووية الإيرانية: معضلة التفاوض ومصدر التوتر الإقليمي

شبكة معقدة من المنشآت… قلب المفاوضات بين طهران وواشنطن
تتصدر المواقع النووية الإيرانية المحورية جدول أعمال المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، في ظل تصاعد المخاوف الإقليمية والدولية من اتساع نطاق البرنامج النووي الإيراني وتنوع أهدافه.
تنتشر هذه المنشآت في أنحاء البلاد، من قلب العاصمة طهران إلى الهضاب والجبال النائية، ما يعكس عمق البنية التحتية النووية وتعقيدها.
منشأة نطنز، التي تقع على بعد 220 كيلومتراً جنوب شرق طهران، تُعدّ الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم، وبُني جزء كبير منها تحت الأرض لحمايتها من الهجمات الجوية.
هذه المنشأة كانت هدفاً لهجمات تخريبية متكررة نُسبت إلى إسرائيل، ما جعلها رمزاً للمواجهة الإقليمية بين طهران وتل أبيب، كما أنها نقطة اختبار دائمة لمدى قدرة إيران على الصمود أمام الضغوط الدولية.
مرفق فوردو، المدفون في أعماق الجبال قرب مدينة قم، يُعدّ من أكثر المنشآت تحصيناً، ويضم سلاسل من أجهزة الطرد المركزي المتطورة.
إيران لم تعلن عن وجوده إلا بعد تسرب معلومات عنه في 2009، ما أثار شكوك المجتمع الدولي حول نوايا طهران الحقيقية.
محطة بوشهر النووية، رغم أنها تجارية الطابع، تظل تحت رقابة مشددة بسبب حساسيتها وموقعها الاستراتيجي على ساحل الخليج العربي.
أما مفاعل أراك للماء الثقيل، فهو يثير مخاوف من إنتاج البلوتونيوم كمنتج ثانوي، ما يفتح الباب أمام احتمالات الاستخدام العسكري.
مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية يُعدّ من أكبر المراكز البحثية في البلاد، ويضم آلاف الخبراء النوويين وثلاثة مفاعلات بحثية صينية، إلى جانب مختبرات متقدمة.
مفاعل طهران البحثي، الذي حصلت عليه إيران من الولايات المتحدة في الستينيات، تحول اليوم إلى نقطة جدل بسبب قدرته على إنتاج مواد يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
تداعيات إقليمية ودولية… ودور متزايد للضغط السياسي العالمي
تعقيد هذه الشبكة من المواقع النووية، وتداخلها مع الأهداف العسكرية والمدنية، يجعل من الملف النووي الإيراني معضلة دائمة في المفاوضات.
المخاوف لا تتعلق فقط بإنتاج الوقود النووي، بل أيضاً بإمكانية تحويل هذه المنشآت إلى قواعد لإنتاج أسلحة دمار شامل.
هذا ما يدفع القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، إلى الإصرار على رقابة صارمة وشفافية كاملة في كل تفاصيل البرنامج.
في ظل هذا التصعيد، برزت أصوات برلمانية وسياسية من مختلف أنحاء العالم تطالب بوقف أي نشاط مشبوه، ودعم حق الشعب الإيراني في معرفة الحقيقة والعيش بأمان.
المواقف الأخيرة من برلمانات أوروبا وأمريكا الشمالية، التي أيدت مطالب الشفافية والرقابة الدولية، عززت من عزلة النظام الإيراني ورفعت من سقف التوقعات الشعبية في الداخل.
هذه الضغوط السياسية المتزايدة، إلى جانب الدعم الشعبي المتنامي للحركات المدنية في إيران، تضع النظام أمام اختبار غير مسبوق: إما الانفتاح على العالم والقبول بالرقابة، أو مواجهة مزيد من العزلة والتوترات الإقليمية.
في النهاية، يبقى الملف النووي الإيراني مرآة لصراع أوسع بين إرادة شعب يتطلع إلى مستقبل آمن وشفاف، ونظام يسعى إلى ترسيخ نفوذه عبر مشاريع غامضة، في وقت أصبح فيه صوت المجتمع الدولي أكثر وضوحاً في دعم مطالب الشعب الإيراني.