اخبار العالم

سياسة ترامب: بين صدمة النظام وإعادة تعريف العدالة

بقلم تادي عواد

لم تكن السياسات الاقتصادية التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مجرّد قرارات جدلية، بل مثلت انقلابًا على قواعد النظام العالمي التقليدي، ومحاولة حقيقية لإعادة صياغة مفهوم العدالة الاقتصادية داخل الولايات المتحدة وخارجها. وبينما اعتبرها خصومه خروجًا عن نهج العولمة، رآها أنصاره تصحيحًا لتشوهات مزمنة لطالما أنهكت الاقتصاد الأميركي.

لطالما فتحت الولايات المتحدة أسواقها للمنتجات الأجنبية، متحمّلة أعباء تجارية لا تتناسب مع حجم المكاسب المحققة، في وقت فُرضت على صادراتها قيود ورسوم باهظة في عدة دول كبرى. من هذا الواقع، انطلق ترامب بمبدأ “المعاملة بالمثل”، واضعًا حدًا لما اعتبره اختلالًا في ميزان القوة الاقتصادية مع شركاء كبار كالصين وكندا والاتحاد الأوروبي.

غير أن المعركة لم تكن فقط خارجية، بل داخلية أيضًا. فالمقاومة الأشرس جاءت من دوائر اقتصادية وسياسية داخلية اعتادت الاستفادة من النظام القائم. مؤسسات وشركات ونخب راكمت ثرواتها في ظل غياب المحاسبة والرقابة، ووجدت في مشروع ترامب تهديدًا مباشرًا لمصالحها.

ولعل من أبرز مؤشرات الجدية في مشروع الإصلاح، تعيين رجل الأعمال إيلون ماسك على رأس “لجنة كفاءة الحكومة”. مهمة اللجنة كانت واضحة: تفكيك البيروقراطية المتضخمة، وتحجيم الهدر، وإعادة هيكلة الإنفاق العام. قرارات ماسك، رغم قسوتها، مثلت بداية تحوّل جذري في طريقة إدارة الدولة الأميركية.

النقاش حول إرث ترامب لا يجب أن يُختزل في تصريحاته أو أسلوبه الصدامي. فبعيدًا عن الجدل الإعلامي، تُسجّل له خطوات إصلاحية ملموسة، لا سيما في ملف الضرائب، والمحاسبة المالية، والتصدي لتحالفات مصالح عميقة داخل مؤسسات الدولة.

غالبًا ما يُنتقد ترامب بسبب لغته المباشرة، لكنه في المقابل طرح سؤالًا وجوديًا على النخبة الأميركية: هل تبقى الدولة رهينة شبكة المصالح، أم تعود إلى خدمة المواطن الأميركي؟ في هذا الإطار، لم يكن ترامب يتبنّى مجرد شعارات، بل خاض مواجهة مباشرة مع أسس النظام القديم.

ورغم الجدل المستمر، لا يمكن إنكار أن رئاسته فرضت إعادة نظر شاملة في مفهوم السيادة، والعلاقات الاقتصادية الدولية، ودور الدولة في ضبط التوازن بين الانفتاح والمصلحة الوطنية. لقد مثلت تلك الحقبة لحظة مفصلية في مسار الديمقراطية الأميركية، كشفت حجم التناقض بين الواقع والمصالح، وبين الخطاب الليبرالي وتطبيقاته الفعلية.

اليوم، تقف الولايات المتحدة أمام سؤال مركزي: هل تتجه نحو تعزيز استقلالها الاقتصادي والسياسي، أم تعود إلى سياسة الإرضاء وتقديم التنازلات؟

لقد انتهى زمن المجاملات. وأميركا، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى قيادة لا تهاب المواجهة حين تكون السيادة والمحاسبة على المحك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى