أزمة المفاوضات مع أمريكاـ النظام الإيراني يتخبّط و”الحرب” تصل إلى برلمان

في مشهدٍ جديدٍ من التخبّط والانقسام الداخلي، اشتعلت أروقة برلمان النظام الإيراني في 13 أبريل 2025 بصراعٍ علني بين مختلف أجنحة السلطة على خلفية انخراط النظام في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في سلطنة عُمان، في خطوة تتناقض بوضوح مع المواقف المعلنة سابقاً من قبل خامنئي الذي وصف التفاوض مع أمريكا بأنه “غير شريف وغير عقلاني”.
لطالما رفع خامنئي شعار “عدم التفاوض مع الشيطان الأكبر”، واعتبر أي مفاوضات مع واشنطن خيانة للمبادئ، لكن الضغوط الدولية المتصاعدة واحتمالات المواجهة العسكرية في ظل الأحداث الإقليمية الأخيرة، أجبرت النظام على الانحناء للعاصفة والدخول في مفاوضات لم يجرؤ حتى على إعلانها بشكل رسمي، وهو ما تسبب في انفجار الخلافات داخل برلمان النظام نفسه.
في جلسة برلمان النظام، فجّر كوچك زاده، عضو في مجلس النظام، قنبلة سياسية حين قال صراحة:
“أيها الشعب، اعلموا أن البرلمان لا يملك أي علم بشأن هذه المفاوضات! حتى أعضاء اللجنة النووية مثل السيد قشقاوي لا يعرفون التفاصيل. ومع ذلك، وبكل مرارة، نقبل بالأمر الواقع”.
النائب كشف عن سخط مكتوم داخل البرلمان إزاء تهميش السلطة التشريعية وتغييبها عمّا وصفه بـ”لحظات تاريخية”، قائلاً إن “بعض من يدّعون الوطنية يحاولون خداع الناس باسم درء الحرب بينما هم يغتصبون أموال الشعب”.
في المقابل، سارع محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، إلى التصدي لتصريح كوچك زاده قائلاً:
“البرلمان على علم بما يجري. لا يتم أي شيء خارج القنوات القانونية”، في محاولة لتجميل صورة مؤسسة باتت تعاني من فقدان المصداقية والفعالية حتى داخل النظام.
وفي سياق الجدل، أكّد قشقاوي، عضو في مجلس النظام، أنّ المفاوضات تحظى بموافقة “القيادة”، قائلاً: “كلنا تابعون للولي الفقيه. من يظن أن أحداً يُجبره فهو لا يفهم مقامه”.
وأضاف أن “اللجنة النووية ليست معنية بتفاصيل المفاوضات“، معترفاً ضمنًا بوجود عزلة حتى داخل الأطر الرسمية للنظام حول ما يجري خلف الكواليس.
من جانبه، أشار عثماني، عضو في مجلس النظام، إلى ضرورة “دعم المفاوضات من أجل تحقيق الانسجام الوطني”، بينما دعا ثابتي، عضو في مجلس النظام، إلى التريث والحذر، معتبراً أن:
“بعد كلام خامنئي الرافض، حصلت تحركات فجائية، لم تُشرح في وقتها، وستُكشف لاحقاً”.
كما حذّر من أن أي اتفاق لا يحقق رفعاً حقيقياً للعقوبات النفطية والمصرفية سيكون مجرد “تكرار للخسائر السابقة”، داعيًا إلى “محاربة الاستكبار الداخلي” بدل انتظار التنازلات من الخارج.
أما الملا رسائي، عضو في مجلس النظام، فقد كرر الرواية الرسمية التي تحاول تبرير المفاوضات باعتبارها تجربة يُراد من خلالها فضح نوايا أمريكا أمام الشعب، قائلاً:
“القيادة سمحت بهذه المفاوضات لتبيان خيانة الطرف الآخر أمام أولئك الذين لا يزالون يحسنون الظن بالغرب”.
الحقيقة التي يحاول النظام إخفاءها هي أنّ العودة إلى التفاوض مع أمريكا لم تكن خيارًا استراتيجيًا، بل خطوة اضطرارية فرضتها ظروف داخلية خانقة، وتهديدات خارجية متصاعدة. النظام الذي عجز عن مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية في الداخل، وجد نفسه مضطرًا للهروب إلى الأمام عبر مسار المفاوضات، دون أن يمتلك الجرأة للاعتراف بالتراجع.
خامنئي اليوم أمام تناقض وجودي: فهو من جهة يتمسّك بخطابه المتشدد الرافض للتفاوض مع “الشيطان الأكبر”، ومن جهة أخرى يمنح الإذن الضمني لفريقه بالتفاوض خوفًا من تداعيات الحرب أو الانهيار الاقتصادي. هذه الازدواجية لم تَعُد خافية، وهي ما فجّرت الانقسامات داخل برلمان النظام.
إن ما نشهده ليس سوى بداية انهيار الخطاب العقائدي للنظام، وفقدانه السيطرة حتى على أدواته السياسية. وإذا كان البرلمان قد اشتعل صراعًا بسبب مفاوضات لم يُعلَن عنها، فكيف سيكون الحال حين تُعلَن نتائجها؟ وهل سيبقى خامنئي قادرًا على احتواء الانفجار الداخلي القادم؟