اخبار العالم

تحالف الأقليات: سياسة قصيرة الأمد ونتائج كارثية

في خضم الاضطرابات التي عصفت بالشرق الأوسط، برزت نظرية “تحالف الأقليات” كخيار استراتيجي اعتمدته القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، بهدف تحقيق استقرار هش يخدم مصالحها، دون الاكتراث بالتداعيات طويلة الأمد.

ما هو تحالف الأقليات؟
تقوم هذه النظرية على تشكيل أنظمة حكم في دول المنطقة تعتمد بشكل رئيسي على الأقليات العرقية أو الدينية، تحت ذريعة حمايتها من الأغلبية المهيمنة. ووفق هذا التصور، تكون هذه الأنظمة في حاجة دائمة إلى التحالف مع الغرب لضمان الحصول على السلاح والدعم السياسي، وهو ما يحقق بدوره مصالح القوى الخارجية. لكن، كغيرها من السياسات التي ترتكز على الطائفية والمصالح قصيرة الأمد، تحوّلت هذه النظرية إلى أداة قمع وإجرام فاقت نتائجها كل التوقعات.

الخطأ الاستراتيجي في التقدير
منذ البداية، أساء الغرب تقدير تعقيد البنية الاجتماعية والتاريخية للشرق الأوسط. فقد كان الاعتقاد بأن تحالف الأقليات سيحقق استقرارًا دائمًا ضربًا من السذاجة السياسية. وبدلاً من توحيد المجتمعات، أسهم هذا التحالف في تعميق الانقسامات الطائفية، ما أدى إلى زيادة الكراهية والتوترات الداخلية. ومع مرور الوقت، أصبحت بعض الأقليات التي نُظر إليها كضحية جزءًا من منظومة قمع وحشية ارتكبت انتهاكات جسيمة، وسط غض الطرف الغربي.

تحالف القمع والإبادة
تحوّل ما بدأ كتحالف دفاعي إلى منظومة قمعية تمارس أشد الجرائم بحق المدنيين، من مذابح إلى تهجير قسري وتطهير عرقي. وتحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، استُبيحت المجازر، وتحولت مناطق الأقليات إلى بؤر للصراعات الدموية. وما ورد في التقارير الإعلامية عن الفظائع المرتكبة في سجون النظام السوري ليس إلا جزءًا يسيرًا مما شهدته هذه المناطق من مجازر وجرائم تُقشعر لها الأبدان.

آثار مدمرة على المجتمعات
لم تنحصر الكارثة في الضحايا المباشرين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى إحداث تآكل في البنية المجتمعية والثقافية لشعوب المنطقة. لقد أدت سياسة “تحالف الأقليات” إلى تأجيج النزاعات وتحويلها إلى صراع وجودي يفتقر إلى أي أفق للحل. ومع استمرار الغرب في دعم هذه السياسات الفاشلة، تزايد فقدان الثقة بالنظام الدولي، مما أتاح غطاءً سياسيًا لمزيد من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان.

الخاتمة: العودة إلى الحلول الوطنية
لقد أثبتت تجربة “تحالف الأقليات” فشلها الذريع، إذ تحولت من مشروع يُفترض أن يحمي الأقليات إلى سبب رئيسي للفوضى والدمار. لقد أصبح واضحًا أن استقرار الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه عبر تقسيم المجتمعات إلى كيانات متناحرة، بل من خلال بناء دول وطنية جامعة تقوم على مبدأ المواطنة والتعددية.

إن الخروج من هذه الدوامة الدموية لن يتحقق إلا بإجراء تغييرات جذرية في السياسات الغربية ودعم مبادرات السلام الحقيقي التي تهدف إلى توحيد المجتمعات وتعزيز التعايش، بعيدًا عن مشاريع الهيمنة والانقسام الطائفي.

بقلم تادي عواد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى