ثورة الشعب الإيراني ضد النظام القمعي: مراحلها، وأسباب غياب الدعم الدولي
بقلم تادي عواد
ثورة الشعب الإيراني ضد علي خامنئي ونظام ولاية الفقيه ليست مجرد حدث منفرد، بل هي سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت على مدار سنوات طويلة نتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتدهورة. بدأت هذه الاحتجاجات بمطالب محدودة ومرت بمراحل عديدة، مع تنامي المطالب بتغيير النظام. في هذا المقال، سنتناول أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الثورة، بالإضافة إلى المراحل الرئيسية التي مرت بها، وتأثيراتها المستقبلية التي قد تساهم في تشكيل مستقبل إيران.
أسباب الثورة:
1. الأوضاع الاقتصادية المتدهورة:
العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي أدت إلى تضخم اقتصادي، انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات البطالة.
سوء إدارة الموارد، خاصة الإيرادات النفطية، وإنفاق الأموال على مشاريع خارجية مثل دعم الميليشيات في المنطقة (حزب الله، الحوثيون، وغيرهم).
2. القمع السياسي:
نظام ولاية الفقيه يُحكم قبضته بشكل صارم على الشعب، مع قمع أي معارضة سياسية.
انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك قمع حرية التعبير والاعتقالات التعسفية.
3. الفساد المستشري:
النخبة الحاكمة، وخاصة المقربون من الحرس الثوري، متورطون في قضايا فساد واسعة، مما أثار استياء الطبقات الفقيرة.
4. المطالب بالحريات:
الشعب الإيراني، خاصة الشباب والنساء، يطالبون بمزيد من الحريات المدنية وحقوق المرأة. قوانين الحجاب الإلزامي تمثل رمزًا للقمع الديني.
5. التهميش العرقي والديني:
الأقليات العرقية والدينية (كالأكراد، العرب، البلوش، والبهائيين) يعانون من تمييز واضطهاد.
مراحل الثورة:
1. الاحتجاجات الاقتصادية (2017-2018):
بدأت موجة الاحتجاجات الكبرى في أواخر 2017 بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية. سرعان ما تحولت إلى مطالب بإسقاط النظام.
2. انتفاضة الوقود (2019):
رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسبة كبيرة، مما أدى إلى موجة غضب شعبي واسعة قوبلت بقمع دموي. قُتل المئات واعتُقل الآلاف.
3. احتجاجات 2022 (ثورة المرأة):
اندلعت بسبب وفاة الشابة “مهسا أميني” أثناء احتجازها لدى “شرطة الأخلاق” بتهمة ارتداء الحجاب بشكل غير صحيح. قادت النساء الاحتجاجات، ورددن شعارات مثل “المرأة، الحياة، الحرية”.
4. تصعيد المطالب (2023):
توسعت الاحتجاجات لتشمل كافة شرائح المجتمع، مطالبة بتغيير جذري في النظام. شهدت البلاد إضرابات عامة ومظاهرات حاشدة.
النهاية (حتى الآن):
لم تنتهِ الثورة بشكل حاسم، لكنها لم تنجح في الإطاحة بالنظام. ومع ذلك:
فقد النظام كثيرًا من شرعيته داخليًا وخارجيًا.
استمر القمع الشديد، مع آلاف القتلى والمعتقلين.
المعارضة الداخلية أصبحت أكثر تنظيمًا، وهناك دعم شعبي متزايد لفكرة إسقاط نظام ولاية الفقيه.
النظام يعتمد على الحرس الثوري لقمع أي محاولة للإطاحة به، بينما يحاول تقديم بعض الإصلاحات الشكلية.
يبقى السؤال الأهم لماذا لم يدعم المجتمع الدولي الثورة ضد نظام ولاية الفقيه في إيران؟
1. الأولوية الجيوسياسية:
الاستقرار الإقليمي: العديد من الدول، وخاصة في المنطقة، تفضل الاستقرار على حساب التغيير في إيران، خوفًا من تأثير هذا التغيير على توازن القوى الإقليمي. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الإطاحة بنظام ولاية الفقيه إلى فوضى غير متوقعة، وقد تكون عواقبها غير واضحة على الأمن الإقليمي.
الملف النووي الإيراني: الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ركزت على الحوار النووي مع إيران، وهو أمر حيوي لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. دعم الاحتجاجات الشعبية قد يعقد المفاوضات بشأن البرنامج النووي ويزيد من التصعيد مع إيران.
التعامل مع إيران كدولة ذات تأثير كبير: إيران تعد قوة إقليمية لها تأثير كبير في العراق وسوريا ولبنان، مما يجعل بعض الدول أكثر ترددًا في دعم حركات المعارضة خوفًا من تصعيد المواجهة مع طهران، خاصة في ضوء الوجود العسكري الإيراني في هذه الدول.
2. النفوذ الداخلي لإيران:
إيران تمتلك شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع بعض القوى العالمية والإقليمية، مما يجعل من الصعب تحفيز دعم فعال ضدها. علاوة على ذلك، تشارك إيران في العديد من الصراعات والنزاعات في المنطقة، مما يعزز من موقفها في بعض أوساط السياسة الدولية.
3. التحديات الداخلية في الدول الداعمة:
العديد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تواجه مشاكل داخلية (الاقتصاد، الصراعات الداخلية، القضايا الاجتماعية)، مما يحد من قدرتها على تقديم دعم فاعل للثوار في إيران.
هناك أيضًا قلق من تحفيز الاحتجاجات في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، مثل العراق أو لبنان، مما قد ينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي.
4. تعددية المواقف الدولية:
لا يوجد إجماع بين القوى الكبرى حول كيفية التعامل مع إيران. بعض الدول (مثل الصين وروسيا) تدعم إيران بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب مصالحها الاستراتيجية، في حين أن دول أخرى قد لا ترغب في الانحياز إلى طرف ضد نظام معين، خاصة إذا كانت هناك مصالح تجارية أو سياسية أخرى.