المحلّل الروسي شوميلين: « إيران لم تَعُد حليفة روسيا، ولن نُفسِدَ علاقاتنا مع إسرائيل بسببها»!
يقول الخبير الروسي « ألكسندر شوميلين » Alexander Shumilin في مقابلة مع موقع « روزبالت » Rosbalt.ru الروسي أن سياسة طهران المتشددة في النزاع السوري تتمايز بصورة متزايدة مع مصالح موسكو في المنطقة.
وقد أُجريت المقابلة التالية مع « شوميلين »، وهو مدير « مركز نزاعات الشرق الأوسط » في « نعهد الدراسات الأميركية والكندية » التابع لـ »أكاديمية العلوم الروسية » في أعقاب مقابلة أجرتها « سي إن إن » مع نائب وزير الخارجية الروسي « سيرغي ريابكوف ». وردّاً عى سؤال حول ما إذا كانت روسيا حليفاً لإيران، أجاب « ريابكوف »: « ليس مناسباً استخدام هذا النوع من الكلمات لوصف علاقاتنا مع إيران ». وجاءت المقابلة مع « ريابكوف » بعد أن وجّه رئيس « لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية » في البرلمان الإيراني، « حشمت الله فلاحات بيشه » إتهاماً لروسيا بأنها منعت استخدام نظام « إس-٣٠٠ » المضاد للطائرات أثناء الهجوم الإسرائيلي ضد أهداف في سوريا في أواخر يونيو ٢٠١٩.
وفي ضوء ذلك كله، تكهّن موقع « روزبالت » بأن وسائل الإعلام الروسية نفسها كانت قد خلقت وهماً مفاده أنه نشأت في الشرق الأوسط كتلة قوية مناوئة للغرب تضم روسيا وإيران وتركيا تقف بمواجهة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. ولكن، تظهر الآن علامات على أن مثل هذا التشكيل للقوى في المنطقة آخذ بالتغير حالياً ». وكان ذلك سبب المقابلة مع « ألكسندر شوميلين » التي نشرتها موقع « روزبالت » تحت عنوان « إيران لم تعد حليفاً لروسيا ».
نائب وزير خارجية روسيا “سيرغي ريابكوف” مع نائب وزير خارجية إيران عباس عرقجي في ديسمبر ٢٠١٨ في موسكو
سؤال: كيف تقيّم إعلان (نائب وزير الخارجية الروسي) « سيرغي ريابكوف » أن إيران ليست حليفاً لروسيا، وأن إسرائيل معنية جداً بأمن إسرائيل؟ وهل يمكن، استناداً إلى تلك التصريحات، الحديث عن منعطف جدي في سياسة روسيا الشرق أوسطية؟
شوميلين: جوابي هو أن ذلك التوضيح الجوهري تأخّر كثيراً عن أوانه. قال « ريابكوف » أن إيران ليست حليفاً لموسكو بالمعنى العريض للكلمة، ولكنها شريك لموسكو في بعض المسائل « على الأرض » في سوريا. إن كلمة «حليف » تفترض وجود تضافر أوسع للمصالح. ولكن المهم هو أن « ريابكوف » ما كان ليقول قبل سنتين أو ثلاثة ما قاله الآن. فالتمايز بين مصالح روسيا (كما يفهمها صانعو القرارات في موسكو) ومصالح إيران في سوريا بدأ بالظهور قبل حوالي السنة أو السنتين.
سؤال: وكيف عبّر ذلك (التمايز) عن نفسه؟
شوميلين: منذ البداية- في رغبة روسيا الدائمة في موازنة اللاعبين الأساسيين في المنطقة. فموسكو تسعى لتحقيق انتصارات عسكرية ولتحويل تلك الإنتصارات إلى مسارات سياسية تزداد عبرها أهمية موسكو. مع إستراتيجية (خروج) عبر قرارات سياسية كانت تقع ضمن نطاق الإتفاقيات الدولية، جزئياً كنتيجة لقرارات الأمم المتحدة ولبيان جنيف في ٢٠١٢، التي لم تعلن روسيا الخروج منها حتى الآن. كما أنها لم ترفض فكرة التسوية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة في سوريا. وهذا مع أن مسار « آستانة » بدأ في العام ٢٠١٧-٢٠١٨ وفسّره كثيرون كبديل لمسار « جنيف ». لكن، بالنسبة لنا، ورسمياً، فإن « آستانة » ليست بديلاً بل هي « تمهيد » لـ »جنيف ». علاوة على ذلك، فقد وافقت موسكو على فكرة الإنتقال السياسي في سوريا.
سؤال: ماذا كان التصوّر المقصود بذلك الإنتقال السياسي؟
شوميلين: أن الأسد سيظلّ، بصفةٍ ما، في سوريا خلال فترة ما. بكلمات أخرى، فالمقصود هو استعداد روسيا لقبول حلّ سوري حتى بدون الأسد. وكانت الصيغة التي تم استخدامها هي « وفقاً لما يقرره الشعب الروسي ». وقد تعارضَ ذلك كله مع المصالح الأساسية لإيران التي، كما نعلم جيداً، ذهبت إلى سوريا لكي تقوّي شخص الأسد بكل الوسائل المتوفرة- العسكرية والمالية.
فالأسد يظل، بالنسبة لإيران، شخصيةً لا غنى عنها ولا سبيل لاستبدالها. والمسار السياسي في سوريا، حسب ما تفهمه إيران، هو مسار يتم عبره ترجمة الإنتصارات العسكرية لصالح الأسد، وكذلك بصورة متناسبة لصالح الجمهورية الإسلامية. ولم يطرأ أي تغيير البتّة على هذه السياسة الإيرانية. ومع التدخّل الإسرائيلي النشيط في دوّامة الحرب السورية، فقد ازدادت خطورة مشكلة حضور إيران في سوريا. وكان يمكن لموسكو أن تخفّف من خطورة تلك المشكلة، ولكنها واجهت رفضاً عنيفاً لموقفها من جانب إيران.
إن موقف الجمهورية الإسلامية يظل هو نفسه: أنها لا تنوي الإنسحاب من سوريا أو تقليص وجودها فيها. وما زالت إستراتيجية إيران في ذك البلد كما كانت في السابق: توسيع حضورها، بما في ذلك لهدف الصراع مع إسرائيل ولتقوية وضع الأسد.
سؤال: لكن، ألا يظلّ الأسد الزعيم الذي لا يمكن استبداله في نظر الكرملين كذلك؟
شوميلين: كلا، لا يظلّ كذلك، مع أنه كان بالنسبة لنا مثل ذلك في مراحل مختلفة. وحتى ٢٠١٣، حينما استخدمت السلطات السورية الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، وأبادت عدة ألوف من الناس هناك، فإن التعبير عن الموقف الروسي كان مختلفاً إلى حدّ ما. فلم يكن الموقف الروسي هو « المجد للأسد– الرئيس الشرعي » بل « البحث عن تسوية » تدخل فيها روسيا بصفتها مسهّلاً يراهن على الأسد.
ولكن سلوك الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أظهر أن الرهان على الزعيم السوري كان مثمراً. فقد جلبَ الرئيس الأميركية أسطولاً عسكرياً إلى سوريا بغرض توجيه ضربة لقوات الأسد. ولكن بوتين أقنع أوباما، الذي كان حينها في سان بطرسبرج لمناسبة منتدى إقتصادي، بعدم توجيه ضربة عسكرية بل بإجبار الزعيم السوري على المباشرة بنزع أسلحته الكيميائية، أي بتسوية المسألة بدون تدخل عسكري.
وقد وافق أوباما وحصد من جراء ذلك كل ما حصده: الحفاظ على نظام الأسد، واستمرار الحرب الأهلية في سوريا، وتضخّم « الدولة الإسلامية » (وهي منظمة إرهابية محظورة في أراضي روسيا) وانتشارها.
في ذلك الحين، كان الأسد فعلاً مفيداً لروسيا وزعيماً لا سبيل لاستبداله. غير أنه لاحقاً أصبح أسيراً لإيران أكثر من قبل. وعمل المدرّبون الإيرانيون بصورة وثيقة « على الأرض » مع القوات السورية ووضعوها تحت سيطرتهم. وذلك على نحوٍ جعلَ الأسد وإيران غير قابلين للإنفصال، الأمر الذي أرغم إسرائيل على البدء بعمليات عسكرية في سوريا، موجهّة رسمياً ضد إيران، سوى أنها موجّهة كذلك، من بين أمور أخرى، ضد الأسد نفسه.
سؤال: ولكن موسكو ظلت محافظة على صيغة « الأسد- الرئيس الشرعي لسوريا »؟
شوميلين: هذه مجرّد لفظيات، لأن السياسة التي يعتمدها الكرملين حالياً- وهي البحث عن حل سياسي وعن انتقال سياسي- تفترض أن مصير الأسد هو- بالحد الأدنى- مسألة مفتوحة.
سؤال: وطهران لا توافق على تلك السياسة؟
شوميلين: بالنسبة لإيران، ليس هنالك مجال لحل وسط حول هذا الموضوع. وبالنسبة لها، فكل شيء في سوريا هو موضوع صراع لا هوادةَ فيه. وقد شرع الحرس الثوري الإيراني وغيره من القوى التي تسيطر عليها إيران- حزب الله، والميلشيات الشيعية- في انتزاع مزيد من الأرض وبدأوا يفرضون إملاءات معينة على الأسد. مثلاً، فهم يدفعونه إلى شن هجوم على منطقة « إدلب » حيث يتمركز حالياً كل معارضو الأسد، والذين تغلب بينهم النزعة الموالية لتركيا.
ولكن، دعني ألفت نظرك إلى أن الهدنة القائمة في جوار »إدلب »، والتي تحول دون الإشتباكات الحربية، هي حل وسط بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان قد أثار حنقَ طهران في حينه. كما أن الإيرانيين ليسوا راضين عن موازنة بوتين بين إيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى بصورة تسيء إلى وضع الإيرانيين.
إن الوضع لا يمكن أن يظل متوازناً لفترة طويلة: فكل ضربة توجّهها إسرائيل لمواقع إيران (العسكرية) تثير غضب المعسكر الإيراني بكل مستوياته. وهم يطرحون أسئلة كثيرة: « ماذا عن روسيا؟ لماذا لم ترد روسيا؟ وماذا عن صواريخ إس-٣٠٠ التي زوّدت سوريا بها؟ ولماذا لم يمنعوا الغارة التي قام بها الطيران الإسرائيلي في يوم ٢٣ يناير؟ »
إن القوات الإيرانية، حسب تعبيرها هي نفسها، ترغب في « تحرير شمال غرب سوريا، مما يعني حرباً دموية مع الأكراد تريد طهران أن تكون «إدلب » نقطة انطلاقها. وتسعى روسيا لتلطيف الموقف الإيراني، لأننا رسمياً لا نعارض شنَّ هجوم على حقول النفط في « دير الزور » شرط ألا يتم ذلك على نحوٍ يتسبب بصدام مباشر مع الأميركيين.
إن روسيا، بعكس إيران، تجد نفسها مقيّدة اليدين. فهي غير قادرة على التصرّف على نحو يتسبّب بردود ثأرية خطيرة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي غير قادرة على حظر غارات الطيران الإسرائيلي لأن ذلك سيضعها في موقع التعارض مع ذلك البلد الذي تدعمه واشنطن. ولهذه الأسباب، فإن موسكو مضطرة للمناورة. بالمقابل، فإن ما تقوم به إيران في الحرب السورية بات أقل ملاءمة لروسيا.
سؤال: هل يمكن أن يؤدي هذا التغيير في موقف روسيا من إيران إلى تقارب مع الولايات المتحدة؟
شوميلين: في نهاية المطاف، نعم! ولكن، هنا، ينبغي التحدث بحذر. والأرجح أن ذلك سيكون جزءاً من مساعٍ تهدف للحوؤل دون نزاع مع الولايات المتحدة وتتضمن تفاهمات معينة وتنسيقاً لأعمال الدولتين.إن أية تحركات عسكرية إضافية في سوريا تهدد بصدامات عسكرية مع أميركا. وقد حدثت مثل تلك الصدامات قبل سنة واحدة حينما قُتِل ٣٠٠–٤٠٠ مقاتل روسي تابعين لشركة « فاغنر » الروسية في « دير الزور ». ولا يرغب أي فريق في تكرار ذلك. ورغم ذلك، فإن إيران تتقدم في سوريا مثل دبابة، وهي تسبّب المتاعب لروسيا مع كل خطوة تخطوها، مثل نشرها لقوات جديدة في سوريا. إن روسيا لا تنوي أن تُفسِدَ علاقاتها مع إسرائيل بسبب
المصدر : شفاف الشرق الاوسط