ما هي الخطوة التالية في العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي؟
national interest – ترجمة صوفي شماس
ازدهرت العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية ودول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الأخيرة، مما أدى إلى تعميق الروابط في مجالات الطاقة والتجارة والسياسة والثقافة. تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا حاسمًا في الطريق الصينية للتوسع غربًا، نظرًا لموقعها الجغرافي الملائم وقربها من البحر الأحمر. لا يقتصر التبادل الاقتصادي للممالك الخليجية والصين على الطاقة والمواد الكيميائية فقط (على الرغم من أنه بُعد مركزي في العلاقة)، ولا يعمل في اتجاه واحد. فقد أصبحت عملية ثنائية الاتجاه تنوعت وتعمقت لدى كلا الطرفين لتشمل تطوير أشكال الطاقة المتجددة، وإنشاء البنية التحتية، والنقل. كما بدأت أيضًا بالانتقال إلى الاستثمارات في التمويل والسياحة والاقتصاد الرقمي. في الوقت نفسه، استثمرت جمهورية الصين الشعبية أيضًا في تطوير الموانئ والمجمعات الصناعية على طول ساحل شبه الجزيرة العربية كجزء من طموحات مبادرة طريق الحرير البحري.
ولكن مع عودة ظهور الخليج الفارسي كساحة لمنافسة القوى العظمى، تعبّر الولايات المتحدة عن وجهة نظر قلقة بشأن دخول جمهورية الصين الشعبية إلى المنطقة. لذلك، تركز واشنطن حاليًا الكثير من ضغوطها لكبح النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والجيوسياسي العالمي المتنامي للصين، إذ إن تكثيف التنافس الشامل – الذي يشمل القوة العسكرية والتجارية والمالية والتقنية – سيزيد من خطر أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي محور المحاولات الأميركية والصينية للتوافق مع سياسات كل منهما وليس مع سياسات منافسيها. وبالتالي، فإن الأنظمة الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي في وضع حرج، حيث يتعين عليها السعي لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن طريق الحد من تعرضها للمنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى. ومع ذلك، فإن السرعة التي اشتد بها التنافس بين الولايات المتحدة والصين قد خلقت وضعًا محفوفًا بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
مقاربات مختلفة
تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي حسابات جيوسياسية وتجارية جديدة، مع ضغوط جديدة على إدارة أمنها القومي والتنمية الاقتصادية. لم تتردد إدارة بايدن في الضغط على الأنظمة الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي، لأنها ترى أن جوانب معينة من تعاونها مع الصين (خاصة في مجال الابتكار التكنولوجي) تضرّ بالأمن القومي الأميركي. تدرك دول مجلس التعاون الخليجي المخاوف المتزايدة التي تنتاب الإدارة الأميركية بشأن الصين ولا تريد الوقوع في صراع بين البلدين. ومع ذلك، فإن المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تضغط على دول مجلس التعاون الخليجي للوقوف إلى جانب إحدى القوتين. تحاول هذه الدول التنقل بين حليفها الأكثر أهمية وضامن الدفاع من جهة، وشريكها الاقتصادي المتزايد الأهمية واللاعب الإقليمي الصاعد من جهة أخرى.
مع الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، تسعى بعض دول الخليج أيضًا إلى التحوّط من التهديدات من خلال إقامة علاقات مع قوى أخرى، مثل الصين، لحماية نفسها من توازن القوى الجيوسياسي الضعيف بشكل متزايد. وتهدف سياسة التحوّط هذه – وهي عنصر ثابت في مجموعة أدواتها السياسية – إلى استخدام الصين كمصدر إضافي للدعم السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، ويمكن الاستفادة منه للضغط على الولايات المتحدة لتعديل سياستها. ومع ذلك، على الرغم من الشكوك حول التزام واشنطن بأمنها، تدرك دول الخليج أنه لا بديل للوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
وعلى الرغم من أن دول الخليج تشترك في شكوك مشتركة بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه المنطقة، فإن مواقفها تجاه الصين والتنافس بين القوى العظمى تختلف اختلافًا كبيرًا. يمكن تقسيم هذه الآراء إلى ثلاث مجموعات: “دول التحوّط” (السعودية والإمارات)، و”دول التوازن” (قطر وعمان)، و”الدول الحذرة” (الكويت والبحرين). فقد جاء قرار إدارة بايدن بسحب القوات الأميركية من أفغانستان ومراجعة الوجود العسكري الأميركي في بقية أنحاء الشرق الأوسط – سواء كان ذلك بقطع الدعم العسكري الأميركي للهجوم الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، أو نقل السفن والقوات وأنظمة الأسلحة من دول الخليج الأخرى نحو مسرح المحيط الهادئ – على حساب الوجود الأميركي في المنطقة. وفي الوقت نفسه، في عصر التنافس بين القوى العظمى، لا تستطيع واشنطن وحدها أن تلعب دور الشرطي في الخليج كما فعلت في الماضي – لديها أولويات أخرى. يجب على الولايات المتحدة أن تجد طريقة لخفض وجودها العسكري في الخليج العربي بينما تدفع دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت نفسه للتدخل وسد هذه الثغرات. وهذا يعني أن واشنطن بحاجة إلى أن يكون شركاؤها الخليجيون قادرين على الدفاع عن أنفسهم، بدلاً من أن يظلوا معتمدين عسكريًا ولوجستيًا على الدعم الأميركي في كل صراع إقليمي.
والأهم من ذلك، على الرغم من أن هذا النهج موجه نحو تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية، إلا أنه يتيح لها أيضًا قدرًا أكبر من الاستقلالية في المناورة في منافسة القوى العظمى: ستكون دول مجلس التعاون الخليجي حرة في تطوير التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع الصين طالما أن هذه الإجراءات لا توفر لبكين موطئ قدم استراتيجي غير ضروري في المنطقة.
ما هي الخيارات التي تواجه إدارة بايدن، وما هي الخطوة التالية في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي؟
إن كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في الحفاظ على شراكتها الأمنية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فعليها أن تتماشى مع واشنطن في تنافسها مع بكين. قد يساعد الالتزام الأميركي المتجدد بالمشاركة الإقليمية في قلب التوازن. فالشراكة الأمنية الاستراتيجية الأميركية (مبيعات الأسلحة وضمانات الأمن الإقليمي) هي العامل الفاصل ومغير قواعد اللعبة في استقرار العلاقات مع شركائها في الخليج والتنافس مع الصين على النفوذ الإقليمي. هذه “الورقة الرابحة” تخلق حبلًا سريًا عسكريًا يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي وواشنطن. تدرك دول الخليج أنه لا بديل للوجود العسكري الأميركي في الخليج لصد العدوان الإيراني. ومن ثم، يجب أن يعتمد التزام الولايات المتحدة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي على طبيعة ودرجة التقارب الاستراتيجي لعلاقتها مع الصين. وبالتالي، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تظهر أنها شركاء مسئولون ومخلصون، وفي المقابل، تحتاج إدارة بايدن إلى ذلك لأنها تسعى إلى إعادة تشكيل موثوقيتها في كل ما يتعلق بالتزاماتها الأمنية الإقليمية.