لماذا فشلت «درّاجات الباسيج» في قمع المحتجين بإيران؟
صحيفة القبس – محمد مجيد الاحوازي
مع دخول الاحتجاجات اسبوعها الرابع، يبدو أن المتظاهرين الإيرانيين لن يغادروا الشارع بسهولة، لاسيما أنهم يسعون لإحداث تغيير جذري، وما عادوا يخشون قوى الأمن، بل على العكس تماما، يبدو أن عناصر قوات الباسيج شبه العسكرية باتوا يخافون الناس، فالنساء يخلعن يومًا بعد يوم الحجاب في موجة عصيان مدني استهدفت قانون فرض الحجاب، والسلطات تبدو عاجزة امام هذه الاشكالية بالنسبة لها، كونها تؤثر في النساء في جميع الأعمار وفي الأمهات والآباء والإخوة والأخوات، وقضية تتجاوز سياسة النظام الداخلية والخارجية. وباتت صور وفيديوهات الاحتجاجات، التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر جرأة أكبر من المحتجين بالتعاطي مع قوات الأمن وعناصر الباسيج، ولعل أبرزها مقطعاً مصوراً من مدينة شيراز، أمس، يظهر شباناً يحررون أحد المعتقلين من يد عناصر شبه عسكرية ويقومون بضربهم.
يطلق على قوات الباسيج في إيران تسمية «فرق الدراجات النارية» لأن عناصرها، غالبًا ما يستخدمون الدراجات النارية على نطاق واسع لسهولة التحرك خلال قمع الاحتجاجات.
وفي بداية الاحتجاجات الجديدة المستمرة، استخدمت قوات الباسيج تكتيك الدراجات النارية للقمع في عدة مناطق، وتشكلت فرقة من 100 إلى 150 من راكبي الدراجات لاقتحام مناطق الاحتجاجات وتنفيذ اعتقالات خاطفة وبث الخوف والرعب بين المتظاهرين، لاسيما ان هذا التكتيك نجح عدة مرات في السنوات الماضية، خصوصاً عام 2009 إبان اندلاع ما سمي بالثورة الخضراء، وأيضًا في بعض المناطق الأخرى عندما كانت إيران تشهد احتجاجات متفرقة.
غير أنه اثناء الاحتجاجات الجارية حاليًا، فشلت قوات الباسيج في قمع المحتجين بهذا التكتيك، ولأول مرة تواجه قوات التعبئة شبه العسكرية احتجاجات في اكثر من 120 مدينة من شمالي إيران الى جنوبيها ومن شرقيها الى غربيها على مدى 25 يوما متواصلة، وهو ما لم تتوقعه الدوائر الأمنية الايرانية، ما وضع قوات الباسيج التي يعتمد عليها النظام في موقف الدفاع وليس الهجوم.
مستنزفون تماماً
في عام 2009، كانت الحركة الإصلاحية الإيرانية تتحرك في مدن الوسط وكانت قوات الباسيج تحشد عناصرها من المناطق والمحافظات المجاورة القريبة من المركز لاحتواء الأزمة وقمع الاحتجاجات، ولكن اليوم بسبب توسع الاحتجاجات في مناطق منفصلة ومختلفة، فإن عناصر قوات الباسيج مستنزفون تمامًا ولا يمكنهم كما حدث خلال السنوات الماضية تشكيل قوة ضاربة في العاصمة طهران أو أي منطقة أخرى في إيران. لأن مغادرة أي منطقة من قبل عناصر الباسيج لإسناد المناطق المنتفضة الأخرى يشكل خرقًا أمنيًا، لذا يضطرون للتحرك في مناطق نشاطهم، الأمر الذي جعل الاحتجاجات أقوى من ذي قبل.
«حق الدفاع الشرعي»
في الاحتجاجات الحالية توثق مقاطع فيديو حرق مقار الحرس الثوري والباسيج المنتشرة في جميع المدن. وأضرم المحتجون النيران ليلة الأحد بمقر لقوات الباسيج في طهران جعل عناصر المقر بموقع دفاعي وشوهد فرار العديد منهم. كما انه وبسبب حجم قمع الاحتجاجات، استخدم المحتجون لأول مرة «حق الدفاع الشرعي عن النفس»، الذي بدأ تطبيقه في العديد من المناطق، ويقول المحتجون إنهم باتوا مجبرين على استخدام كل الوسائل المتاحة للدفاع عن أنفسهم ضد القمع العنيف الذي يتعرضون له، لاسيما مع مقتل أكثر من 200 متظاهر بينهم فتيات دون الثامنة عشرة، وإصابة الآلاف، ما جعل من خيار «حق الدفاع الشرعي» يلقى دعما كبيراً بين شرائح وأطياف المجتمع الإيراني.
شعار «سأقتل من قتل أختي»
عام 2009، رفض التيار الإصلاحي مواجهة الأجهزة الأمنية، لكن اليوم نرى انه من بين الشعارات التي ترتفع بقوة في الشارع والجامعات شعار «سأقتل من قتل أختي»، وهذا الشعار اساسا مقتبس من شعارات الثورة الإيرانية عام 1979 عندما استخدمت الثورة الخيار المسلح ضد النظام الملكي، ويومها أيده الإمام الخميني، واليوم يقول الايرانيون:«إننا نقتل في الشوارع ومن حقنا ان ندافع عن انفسنا بموجب كل الشرائع والقوانين». فالدور المتقدم والقيادي للمرأة في هذه الاحتجاجات عكس الاحتجاجات السابقة كان له الأثر الأكبر في ازدياد جرأة المتظاهرين وأكسبهم قوة إضافية في مجتمع محافظ يرفض التعرض للنساء، وهو أمر كرسه التفاف معظم الشعب حول شعار «المرأة، الحياة، الحرية».
طلاب الجامعات والمدارس
العامل الآخر الذي ساهم أيضًا في فشل قوات الباسيج في إجهاض الاحتجاجات هو دور ومشاركة الحركة الطلابية التي تمثل الركيزة الأساسية للنشاط السياسي في إيران. ولأول مرة منذ عام 1979 نلاحظ ان الحركة الطلابية تقوم بنشاط منسق وعمل جماعي يشمل كل الجامعات، وتقود الاحتجاجات في الشوارع والمدن. وهذا التطور يعتبر مفاجئا لقوات الباسيج التي كانت تواجه في السابق تحركات طلابية في مناطق محددة.
كما أن دور المدارس الثانوية في الحراك أصبح أكثر فاعلية خلال الأسبوعين الماضيين، خاصة في مدارس البنات، ما يؤشر إلى قوة المجتمع المدني الذي بدأ يرفض الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي القائم. وبدأ طلاب وطالبات المدارس الثانوية في عموم إيران بتبني شعارات مناهضة للنظام ورفع شعار «المرأة، الحياة، الحرية» في صفوفهم وفي قاعات التدريس، بدلا من صور الخميني وخامنئي.
التعليم الرقمي
خلال جائحة كورونا، كان معظم الطلاب يتلقون التدريس عبر الإنترنت باستخدام الأجهزة الذكية، وهذا التحول فتح عيونهم على العالم الآخر وتطور الدول المحيطة بإيران وكشف لهم حجم معاناتهم وتأخرهم مقارنة مع الدول الأخرى.
تقول سارا مفيدي وهي معلمة وباحثة اجتماعية إيرانية من طهران لـ القبس ان التحول الرقمي الذي شهدته المدارس خلال جائحة كورونا ساهم في ربط طلبة إيران بطلاب العالم وكانت تشكل مجموعات تعليمية، هذا التحول ساهم في ارتباط الطالب الايراني بالعالم الخارجي وبدأ يقارن الطلبة تجارب العالم مع بلادهم، وهذا ما غفل عنه النظام الايراني، لذا بتنا نلاحظ ان طلبتنا بالمدارس يسألوننا عن اوضاعهم وحقوقهم الاساسية، ولم نستطع أن نجيبهم بصراحة حتى جاءت شرارة الاحتجاجات وانتقل مطلبهم الى الشارع.