لوحشية عائلة الأسد فصولٌ سبقت جرائم بشار.. شهود عيان يروون فظائع حماة 1982
في الثاني من فبراير/شباط 1982، شهدت سوريا أسوأ مجزرة مرت في تاريخها الحديث كما كان يُعتقد قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 وهي مجزرة حماة التي ارتكبها حافظ الأسد.
مجزرة حماة التي ارتكبها حافظ الأسد .. متى حصلت ولماذا؟
قبل 37 سنة طوّق النظام السوري الذي كان رئيسه آنذاك حافظ الأسد مدينة حماة الواقعة وسط البلاد وبدأ بقصفها جواً وبراً وبجميع أنواع الأسلحة.
قبل أن يجتاحها ويقتل كل من يصادفه فيها بحجة القضاء على جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا، التي كانت تُعد من أكبر الجماعات المناوئة للأسد الأب في تلك الحقبة.
واتهمها النظام حينها بتسليح عدد من كوادرها وتنفيذ اغتيالات بحق مجموعة من الضباط في مدرسة المدفعية في يونيو/حزيران 1979، في مدينة حلب شمال سوريا.
وفي 20 يونيو/حزيران وقعت محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد، ليقوم بعدها بحظر الجماعة وشن عملية تصفية واسعة، ومن ثم أصدر القانون 49 الذي يأمر بإعدام كل شخص ينتمي للإخوان المسلمين وأقربائهم.
سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد تجتاح حماة
قادت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد الحملة العسكرية الدموية التي انطلقت الساعة الثانية صباحاً يوم 2 شباط/فبراير 1982.
واستمرت مدة 27 يوماً، ووضع تحت قيادته، نحو 12 ألف جندي من مختلف الكتائب.
ما بين «سرايا الدفاع واللواء السريع الحركة التابع لسرايا الدفاع، واللواء 47 دبابات، واللواء الميكانيكي 21، وفوج الإنزال الجوي 21 (قوات خاصة)».
إضافة إلى عدّة كتائب مكونة من عناصر مختلطة من مختلف أجهزة الأمن والمخابرات وفصائل حزبية مسلحة بقيادة عدنان الأسد.
وتمّ خلال الحملة العسكرية ارتكاب مجزرة حماة سنة 1982 عبر تطويق المدينة، وتجويع أهلها، وقصف البلدة القديمة فيها جواً وبراً.
لكي يتمكن الجنود من دخول شوارع المدينة الضيقة بدباباتهم، وتدمير معالمها حتى المساجد والكنائس لم تسلم من هذا القصف.
وفي تاريخ 15 فبراير/شباط أي بعد عدّة أيام من القصف المكثف، أعلن اللواء مصطفى طلاس الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع حينها انتهاء الحملة العسكرية وأن انتفاضة مدينة حماة قد تم قمعها.
غير أن المدينة ظلّت حينها محاصرة وجرى عزلها عن العالم الخارجي.
حملات تصفية وإعدامات ميدانية
بعيد الحملة العسكرية شنّت قوات النظام السوري على مدار أسبوعين حملة أخرى لمداهمة المنازل واعتقال الشباب فيها.
وارتكبت خلال هذه الحملة إعدامات جماعية بحق عدد كبير من الأهالي.
وتحدثت بعض التقارير عن صنوف من الإساءة، التي ارتكبتها تلك القوات، من قتل جماعي وإعدامات ميدانية، وتعذيب للمدنيين واغتصاب للنساء، إلى أن وصل بهم الحد إلى قتل الأطفال أمام أعين ذويهم.
عشرات آلاف القتلى
يختلف عدد ضحايا المجزرة باختلاف المصادر ولا أحد يعرف الحصيلة النهائية لعدد القتلى خلال ذلك الهجوم، حيث وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل 40 ألف مدني، غالبيتهم قضوا رمياً بالرصاص بشكل جماعي ثم تمّ دفن الضحايا في مقابر جماعية.
أمّا روبرت فيسك الذي كان متواجداً في حماة بعد المجزرة بفترة قصيرة يقول إن عدد القتلى كان 10 آلاف شخص تقريباً.
أما جريدة الإندبندنت فقالت إن عدد ضحايا مجزرة حماة وصل إلى 20 ألفاً.
أما الصحفي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان فقال إن رفعت الأسد قام بالتباهي بأنه قتل 38 ألفاً في حماة.
كما تشير بعض التقارير إلى صعوبة التعرف على جميع الضحايا لأن هناك ما بين 10 آلاف و15 ألف مدني اختفوا منذ وقوع الأحداث، ولا يُعرف أهم أحياء في السجون العسكرية أم أموات.
أما عدد المعتقلين والمفقودين الذين لم تتم معرفة مصيرهم حتى اليوم فقد بلغ 15000 ألف شخص، وهذه المجزرة كانت سبباً مباشراً في تهجير 100 ألف شخص، وتم تدمير جزء كبير من المدينة خاصة أحياءها القديمة، وإزالة 88 مسجداً، وهدم 3 كنائس ومناطق أثرية وتاريخية.
كما سُوّيَ حي الحاضر بالأرض عقب اقتحامه بالدبابات خلال الأيام الأربعة الأولى من القصف.
مجازر حماة
وفق إحصائيات الثورة السورية فقد وثقت ارتكاب 17 مجزرة في أحياء مدينة حماة وهي:
مجزرة حي سوق الشجرة
شهد الیوم الخامس من الاجتياح قصف حي “سوق الشجرة” بشدة واجتاحت قوات النظام السوري الحي وأطلقت النیران على الشباب والشيوخ، وقدر عدد الضحايا فيها نحو 160 شخصاً.
وقتلت عناصر الأمن والجیش السوري أفراد أسر آل علوان وحمود کوجان وآل أبو سن رجالهم ونسائهم وأطفالهم.
بعضهم رمیاً بالرصاص وبعضهم طعناً بالسکاکین وتوفي بعضهم تحت الأنقاض جراء القصف وتفجیر البیوت بالدینامیت.
کما أقدمت قوات النظام في الیوم ذاته على قتل ما یزید عن ٧٠ شخصاً بینهم نساء وأطفال بعد حشرهم في دکان الحلبیة لبیع الحبوب وأضرمت النیران في الدکان لتقضي على من بقي منهم على قید الحیاة حرقاً.
مجزرة حي البیاض
في حي البیاض وأمام مسجد الشیخ محمد الحامد ونظراً لعدم اتساع ناقلات المعتقلین لعدد إضافي منهم قتلت قوات النظام 50 شخصاً.
وألقت بجثثهم في حوض تتجمع فیه مخلفات مصنع بلاط تعود ملکیته للمواطن عبد الکریم الصغیر.
مجزرة سوق الطویل
وقعت مجرزة “سوق الطویل” في الیوم السابع من الاجتیاح حیث قتلت قوات الأمن 30 شاباً على سطح السوق.
كما قتلت الشیخ عبداالله الحلاق البالغ من العمر 72 عاماً أمام بیته ونهبت ممتلکاته.
وأیضاً أطلقت قوات الأمن النار على 35 شخصاً بعد حشرهم في دکان شخص يدعى عبدالرازق الریس.
فقتلتهم جمیعاً إلا طفلين یبلغان من العمر 13 عاماً تمكنا من الفرار من خلال سقیفة الدکان.
مجزرة حي الدباغة
قامت مجموعة من سرایا الدفاع التابعة لرفعت الأسد في نفس الیوم بقتل 25 شخصاً من حي الدباغة بعد أن وضعتهم في منشرة للأخشاب ثم قامت بإشعالها.
وقتل ضمن أحداث هذا الیوم 5 أفراد من آل بدر، وشخص يدعى زیاد عبدالرزاق، وزوجته وابنه البالغ من العمر عامین.
کما قتل من آل عدي الأب وثلاثة أبناء، وقتل آل دبور في حي “الدباغة”.
مجزرة حي الباشورة
في “حي الباشورة” قضت السلطات على آل محمد فهمي الدباغ وقد بلغوا 11 شخصاً تتراوح أعمارهم بین 58 عاماً (الأب) و6 سنوات (أصغر الأبناء).
وقتلت السیدة حیاة جمیل الأمین وأولادها الثلاثة، وقد قام عناصر الأمن بقطع یدي السیدة حیاة وسلب حلیها.
ثم توجهت عناصر قوات النظام إلی حیث یسکن آل موسی في نفس الحي والبالغ عددهم 21، قتلوا جمیعاً بمن في ذلك رضیع لم یبلغ السنة والنصف.
کما لقي آل القاسیة وآل صبحي العظم من نفس الحي المصیر ذاته.
ووقعت في نفس الیوم مجزرة آل الصمام في “حي الباشورة” والتي راح ضحیتها 17 شخصاً، بینهم أطفال ونساء.
وفي الیوم التاسع من الاجتياح دهست دبابات النظام مواطنین فروا من النیران، عرف منهم صالح عبدالقادر الکیلاني (52 عاماً)
وفواز صالح الکیلاني (21 عاماً).
مجزرة حي العصیدة
في الیوم الحادي عشر وقعت مجزرة آل المصري في “حي العصیدة” حیث أطلقت قوات النظام الرصاص على أربعین من سکان الحي فقتلتهم جمیعاً.
وبعد دخول (حي) “الدباغة” بخمسة أیام قتلت السلطات ستة أفراد من آل الصحن.
مجزرة حي الشمالیة
تفيد المعلومات أن مئات المواطنین العزل قتلوا في حي “الشمالیة” في الیوم الرابع عشر من المجزرة بعد أن لجأوا إلی أقبیة البیوت للاحتماء من النظام.
ومن أبرز المجازر التي وقعت في هذا الحي مجزرة آل الزکار ومجزرة زقاق آل کامل ومجزرة آل عصفور.
مجزرة حي الشرقیة
في الیوم السابع عشر جمعت قوات السلطة من بقي من أهل حي “الشرقیة” وجردوا الرجال من ملابسهم في البرد الشدید، ثم حشروا جميعاً في مسجد الحي الذي تم تفجيره بهم.
مجزرة حي البارودیة
في الیوم الثاني والعشرین جمعت السلطات ما یزید عن 25 من آل شیخ عثمان وذلك في حي “البارودیة” وقتلتهم.
مجزرة الجامع الجدید
مجزرة الجامع الجدید وقعت في الیوم الخامس والعشرین حیث ساقت قوات النظام 16 مواطناً من حي “القرایة” لغرض نقل أمتعة منهوبة من البیوت والمحال.
بعد أن قاموا بذلك نقلوا إلی المسجد الجدید بحي “المرابط” وأطلق علیهم الرصاص.
مجزرة مقبرة سریحین
تعتبر مجزرة “مقبرة سریحین” من أبشع مجازر حماة الجماعیة، قتل خلالها أعداد كبيرة.
مجزرة معمل البورسلان
في معمل البورسلان وتحت إمرة الجیش مباشرة اقتاد الجنود الآلاف من الرجال، حيث تركوهم هناك في العراء وبدون طعام.
وبعد الانتهاء من التحقيق معهم تم حرقهم داخل أفران المعمل.
مجزرة العمیان
داهم جنود سرایا الدفاع مدرسة للمکفوفین في منطقة المحطة، وغالبية الموجودين فيها كانوا من الأساتذة الذين ناهز عمرهم الـ 60 عاماً.
فکان الجنود یضربون الشیوخ بالجنازیر ويطلبون منهم الرقص أو يهددونهم بالقتل.
وبعد الانتهاء من هذه الأفعال قاموا بقتلهم جميعاً، ومن بينهم الشيخ شكيب والشيخ أحمد شامية والشيخ أديب كيزاوي.
مجزرة العلماء
قُتل خلالها عدد من العلماء الذين كانوا يجتمعون في منزل مفتي حماة الشيخ بشير المراد.
مجزرة الأطفال
في اليوم الرابع عشر من الاجتياح وقعت مجزرة في الجامع الجديد الذي يقع في نهاية شارع الثامن من آذار.
حيث كان عشرات الأطفال يحملون الخبز عندما اعترضهم عناصر الأمن وأطلقوا الرصاص عليهم.
مجزرة الفتیات
کان الجنود یدخلون إلی الملاجئ، وینتقون الفتیات الصغیرات ويأخذونهن، ولا یعرف الأهل بعد ذلك عنهن شیئاً.
وفي حمام الأسعدیة الکائن في منتصف سوق الطویل، وجدت جثث کثیرة لفتیات معتدى علیهن.
مجازر المستشفی الوطني
قامت سرايا الدفاع بالتمركز داخل المشفى المركزي وأصبح عملها هو الإجهاز على كل جريح يدخل المشفى.
شهود عاشوا هذه اللحظات المروعة
قالت مها عربو (49 عاماً) وهي إحدى الشاهدات على مجزرة حماة في تصريح خاص لعربي بوست: «كان عمري حينها 12 عاماً، بدأنا نسمع أصوات الرصاص والقصف، لم نخرج من بيوتنا حتى الـ 10 من فبراير/شباط».
وأوضحت أنه بسبب المعارك وأصوات الانفجارات التي لم تتوقف، بحثنا عن أبي وأخي اللذين ظننا أنهما مختبئان في مكان ما، فوجدناهما مقتولين عند باب عمارتنا، وبعدها قمنا بالفرار أنا ووالدتي وبقية أفراد عائلتنا.
وأضافت «لا أنسى بعد كل تلك السنين، جثتهما وجثث العشرات التي مشينا عليها حتى استطعنا الوصول إلى إحدى الطرق الفرعية التي نقلتنا إلى ريف حماة ومنه إلى حلب، شيء لا يصدقه العقل، كانت جثث أطفال ونساء تنهشها الكلاب، كانت الدماء بقعاً واسعة لم يستطع المطر الهاطل منذ يومين أن يمحو بعض آثارها، كان مشهد المدينة فظيعاً، ليس فيه سوى الدمار والدماء».
السيدة مها هي امرأة عجوز روت لعربي بوست قصص المجازر التي سمعتها من أبنائها الذين نجحوا بالفرار من حماة.
وقالت: «في منطقة سوق الطويل، يقع مسجد يسمى (الجامع الجديد)، في داخله وقعت مجزرة رهيبة بعد أربعة عشر يوماً من الأحداث، كان الناس قد بدأوا يخرجون قليلاً إلى الشوارع.
طلب الجنود من الأهالي التوجه نحو سيارات الخبز في طرف الشارع، أسرع الأطفال، وكانوا بالعشرات، حملوا الخبز، وهم يعودون اعترضهم الجنود وطلبوا إليهم الدخول إلى الجامع الجديد، وهناك فتحوا عليهم النار وقتلوهم جميعاً».
وتابعت: كان هناك فِرق موت تجوب المدينة، يقتلون، ينهبون، يغتصبون، قتلوا طفلاً وليداً أمام أسرته في حي الحاضر.
وأكدت أن «هذه القصة ليست أسطورة؛ بل حقيقة، والضحية يدعى (سمير قنوت) من حي الحاضر».
المصدر : عربي بوست