العالم العربي يودع صانع قوته النفطية … جعل السعودية من أغنى دول العالم
غيب الموت أحمد زكي يماني الذي أصبح رمزا يجسد بـزوغ قوة النفط العربي ووجها يمثل الحظر النفطي العربي الذي دفع الغـرب للرضوخ في العام 1973.
كان يماني شاهدا عام 1975 على اغتيال العاهل السعودي الملك فيـصل بـن عبـد العزيز الذي اختاره وهو شخصية مغمورة من خارج الأسرة الحاكمة ليشغل منصـب وزير البترول.
وفي وقت لاحق من العام نفسه تعـرض يماني للخطف خلال اجتماع لمنظمة أوبك على يدي الارهابي إيليتـش راميريز سانـشيز الملقب بكارلوس الثعلب.
واليوم الثلاثاء قالت وسائل الإعلام الرسمية السعودية إن يماني تـوفـي في لندن عن 91 عاما.
اشتهر يماني بكـياسته وباللحية الصغيرة التي أصبحت سـ.ـمة من سـ.ـماته. وجعلت منه السنوات الأربع والعشرين التي أدار خلالها شؤون النفط في أكبر دول العالم إنتاجا شخصية عالمية خلال “الصدمتين النفطيتين” بما تسببـتا فيه من تضخم خلال عقد السبعينيات.
وانتهت تلك الحقبة بعزله المفاجئ في 1986 بعد محاولة باهظة الثمن لرفع أسعار النفط في استراتيجية لم يكتب لها النجاح ألقت بظلالها على السياسة النفطية السعودية حتى يومنا هذا.
في ديسمبر كانون الأول 1975 حضر يمـاني اجتماع أوبك (منظمة البلدان المصدرة للبترول) الذي انتهى في فيينا بوابل من الرصاص أطلقه كارلـوس الفـنزويلي الجنسية وخمسة من أعـوانه على السقف. وسقط ثلاثة قـتلى من المـوجودين في المكان.
كان كـارلوس قد استـهدف يماني في إطار مناصرة القضية الفلسطينية باعتباره أثمن رهينة، وقال له أكثر من مرة إن الحكم قد صدر بإعدامه. واحتجز الوزراء لمدة يومين في غـرفة ملغمة بالديناميت قبل السماح للخاطفين بالسفر من النمسا على متن طائرة مع رهائنهم.
ومضت 43 ساعة أخرى مروعة على متن الطائرة التي توجهت إلى الجزائر ثم إلى لـيبيا قبل أن تعود إلى الجزائر وتم التوصل إلى اتفاق في الجـزائر واختفى كارلوس إلى أن تم القبض عليه في العام 1994.
وقبل ذلك بشهور كان يماني إلى جوار الملك فيصل في الرياض في استقبال وفد زائر عندما أخرج أمـير سعودي ساخـط مسـ.ـدسه وأطلق النـ.ـار على الملك فأرداه قتيلا.
ولد يـ.ـماني في 30 يونيو 1930 لأحد فقهاء الديـن الإسـلامي كان يعمل قاضيا في مكة وكان من المـتوقع أن يقتدي الابـن بوالده وجده في سلك التعليم.
وبعد دراسة القانون في القاهرة سـافر يمـاني إلى جامعتي نيويورك وهارفارد. وعندما عاد إلى السعودية أسس مكتبا للمحاماة وتولى أعمالا حكومية مما لفت انتباه الأمير فيصل له قبل أن يصبح ملكا. وتولى يماني منصب وزير النفط في 1962.
وأصبح يماني شخصية قيادية في تطوير منظمة أوبك التي تأسست في العام 1960. واستطاع انتـ.ـزاع صناعة النفط السعودية من قبـضة الشركات الأمريكية في سلسلة من الخطوات التي أسـفرت عن اتفاق على ملكية البلاد لشركة أرامكو السعودية في 1976.
ولا تزال أرامكو واحدة من أغنى شركات العالم من حيث الأصول.
وفي سنوات يماني الأولى في إدارة وزارة النفط كانت نعرة القـومية العربية في صـعود وكانت قـوة النفط عنصرا رئيسيا في جوهرها.
وعندما قامت الحـ.ـرب العربية الإسـ.ـرائيلية عام 1967 كانت الرياض مسـتعدة لاستـعراض عضلاتها الاقتصادية. وأعلن يماني حظر إمدادات النفط للدول الصـديقة لإسرائيل.
لكن الحظر لم يكن مـؤلما. فقد ساهم في سد العجـز ضـخامة المخزونات في الغرب وزيادة الإمدادات من فنزويلا ومن إيران قبل قيام الثورة الإسـ.ـلامية.
وفي 1973 دفعت الحرب العربية الإسـرائيلية الرابعة يماني إلى إعلان حظـر نفطي آخر. وأفلح الحظر هذه المرة فارتفع سعر النفط لأربعة أمـثاله لتتبـلور بذلك سطـوة منظمة أوبك ودفع ذلك الدول الغربية إلى ركـود اقتصادي وارتفـاع شـديد في التضـخم فيما أصبح يعرف باسم صـدمة النفط الأولى.
سادة النفط
لخص يمـاني تلك اللحظة التي أمسك فيها منتجـ.ـو النفط بالزمام. فقد قال “حانت اللحظة. نحن سـادة سلعـتنا”.
وبانتهاء الحرب والحظر توصلت السعودية إلى وفاق مع الولايات المتحدة.
وأصبح يماني الآن من المعتدلين فيما يتعلق بالأسعار ونصيرا للرأي القائل إن الأسعار المرتفعة ستـدمر الطلب في نهاية الأمر وتشـجع الإنتاج من الاستكشافات الجديدة في مناطق مثل بحر الشمال.
وعندما أطلقت الثـ.ـورة الإيرانية عام 1979 شـرارة صدمة النفط الثانية في الغرب رفـع أغلب أعضاء أوبك أسعار النفط وأصدرت الرياض التي أصبحت تربطها الآن بواشنطن صلة وثيقة قرار يـماني بالإبقاء على الأسعار السعودية عند الأسعار الرسمية للتخفيف من معاناة المستوردين.
وكان للاعتدال الجديد في الأسعار ثمـنه الذي اضـطر يماني لدفعه. فقد أفضت وفرة المعروض خلال الركـود الذي أصـاب الغرب في أوائل الثمانينيات إلى تراجع الطلب على الوقود.
وطالب الملـك فهد يمـاني بالعمل على حـماية نصيب المملكة من سوق النفط ورفع الأسعار. وبدلا من ذلك خـفض يماني الإنتاج السعودي إلى أدنى مستوياته في 20 عاما ليصـل إلى مليوني برميل فقط في اليوم في محـاولة لرفع الأسعار.
ولم تكن الدول الأعضاء في أوبك على نفس الدرجة من الالتـزام بالإنتاج وتعـ.ـرض يماني لانتـقادات في الداخل حين زادت دول أخرى حصصها في السوق على حساب الرياض. ومع تزايد وفـ.ـرة المعروض انهـارت أسعار النفط لأقل من عشرة دولارات للبرميل.
ودفع يماني الثمن بعد أن خـالف أوامـ.ـر الملـك فـهد وفشل في تحقيق المطلوب. وفي أكتوبر تشرين الأول 1986 علم بعـزله من منصبه من خلال التلفزيون السعودي فيما بدا أنها خـطوة لإحراجه.
انسحب يمـاني إلى حياته الخـاصة وأصبح رئيسا شـرفيا لمؤسسة استشارية هي مركز دراسات الطاقة العالمي. وعند إطلاق المؤسسة في لندن في 1989 حين كان سعر النفط الـخام لا يزال 20 دولارا للبـرميل تنبأ يماني بأن الأسـ.ـعار ستتجاوز في يوم من الأيام 100 دولار للـبرميل وهو ما حدث في الألفـية الثالثة.
وأجرت رويترز مقابلة مع يماني في سبتمبر أيلول عام 2000 بمناسبة مرور 40 عاما على إنشاء أوبك. وكان النفط الصـخري غير معروف في ذلك الوقت وكانت وسائل الـطاقة المتجددة في مهـدها. غير أن يماني توقع أن تـضر التكنولوجيا بمنتجي النفط.
قال “التكنولوجيا عـ.ـدو حـقيقي لأوبـك. التكنولوجيا ستـقلل الاستهـلاك وتزيد الإنتاج من مناطق خارج أوبك. وستـكون الضـحية الحقـيقية هي السعودية باحتـياطيات هائلة لا يمكن أن تفعل شيئا بها”.
وأضاف “العصر الحجـري لم ينته لأن الحجارة نـفدت من العالم، والعصر النفـطي سينتهي قبل فترة طويلة من نـفاد النفط من العالم”.
(رويترز)