أي مُخطّط كبير يخفيه لغز اختفاء خاشقجي؟
على الرغم من كل التحليلات والتسريبات والتقارير والمعلومات والتحقيقات المتضاربة، يبدو أنّ الغموض هو سيّد الموقف بعد نحو أسبوعين من اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي من قنصيلة بلاده في اسطنبول.
وفي السياق، قال المتخصّص في العلاقات الدولية د. وليد الأيوبي، لموقع “ليبانون فايلز″، إنّ “حرباً باردة سائدة اليوم إقليمياً بين جهات معروفة كُلّ شيء فيها مُباح”. وأضاف: “إنّ حرباً أمنيّة-استخباراتيّة بانتظارنا لأنّه لم يعد لدى الأفرقاء سواها في ظلّ عدم استعدادهم للانخراط في حرب مباشرة، وذلك بعدما خرجوا كلّهم خاسرين من حرب نصف مباشرة لم يُحقّقوا مرادهم منها”.
وقال الأيوبي: “أمامهم هذه الوسيلة الاستخباراتيّة، فلنعد إلى من صنع تنظيم “داعش” الذي كاد أنْ يستولي على العراق وسوريا وبلاد الشام وأنْ يُغيّر معالم المنطقة”، مشدّداً على أنّه “في النهاية تبيّن أنّ التنظيم صناعة أجنبيّة، ويُتَّهم على الأرجح الثلاثي الإنكليزي-الأميركي-الإسرائيلي به، لذلك وأمام هول تجربة “داعش”، تعتبر قضيّة خاشقجي بسيطة جداً”.
خاشقجي مقابل القسّ؟
وعن النظريّة التي تتحدّث عن أنّ خاشقجي دفع ثمن خروج القسّ الأميركي أندرو برونسون وكأنّها كانت صفقة التخلي عن الصحافي السعودي مقابل القس، قال الأيوبي: “إنّنا في قلب نظريّة المؤامرة”، سائلاً: “من له مصلحة باغتياله؟ فالاتهامات اليوم للرأي العام تتركّز على طرف مُعيّن”.
“بعدما إطّلعت على كتابات خاشقجي”، يقول الأيوبي، “ليس هناك من شيء يمكن أنْ تخشاه منه الأسرة الحاكمة السعودية لأنّه ليس معارضاً”. وأضاف: “هذا الاحتمال الذي تتّجه إليه كل الأنظار أستبعده من هذه المعمعة”.
في آخر مخابرات له، أعلن الصحافي السعودي ولاءه لولي العهد محمّد بن سلمان ودعم مسيرته وأعطى بعض النصائح المفيدة”، لافتاً إلى أنّه “جزء من المنظومة الحاكمة في السعوديّة”.
مصلحة من؟
إلى ذلك، يلفت الأيوبي إلى أنّ “العلاقات التركية-السعودية متوتّرة جداً”، مضيفاً: “إستوقفني موقف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البرلمان من فترة يُعبّر فيه عن اشمئزازه من السياسة السعودية في المنطقة وقال إن المواجهة أصبحت قريبة مع السعوديين”.
من جهة أخرى، سأل المتخصّص في العلاقات الدولية: “ما هي مصلحة الأميركيين في اختفائه؟ يمكن القول إنّها تكمن في الضغط على السعودية، لكن من أجل ماذا؟ فالسعوديّون أعطوا الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يريده من تسهيلات ماليّة وإلى آخره، وهم جزء من منظومة صنع القرار الأميركي والأطلسي إقليمياً”.
وتابع: “لا أرى أنّ العلاقات الأميركيّة-السعوديّة متوتّرة إلى درجة أنّ الأميركيّين يريدون الإيقاع بالسعودية من خلال الخاشقجي. أما العلاقات الأميركية-التركية فمتوترة مع بداية انفراج فيها، لكن ما هي الفوائد التي ستجنيها أميركا من هكذا عمليّة على الجبهة التركية؟ فهناك مصالح أكبر بكثير من قضية القسّ الرمزيّة، والغاية إعادة تركيا إلى الحضن الأطلسي”.
وأوضح: “بالطبع لا تريد أميركا أنْ تربح تركيا لتخسر السعوديّة، وتريد أنْ تفوز بالدولتين وتخشى أنْ تخرج الدولتان من نطاق تأثيرها مثلما يحصل حالياً مع تركيا”، مؤكّداً أنّ “أميركا تخشى أنّه في حال زاد الضغط على السعودية، وفق ترامب، ستّتجه شرقاً للتحالف مع الصينيّين والروس، فتخسر أميركا دورها بالكامل في المنطقة من دون السعوديّة”.
الأزمات الكبرى
ولفت الأيوبي إلى أنّ “شخصيات مهمّة تُستهدف عادة في الأزمات الكبرى لأغراض وتقاطعات غامضة وملتبسة جداً من الصعب كثيراً إدراكها مثلما حصل عند اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ظل عراك ديبلوماسي طويل وغموض وتوتّر وتمّ اغتياله عند نقطة تقاطع لا أحد يمكنه معها معرفة خلفيّاتها”.
وشدّد على أنّه “من غير الممكن معرفة الخلفيّات والأسباب الحقيقيّة الكامنة وراء اختفاء الصحافي إلّا بعد مدة زمنيّة”. وعن الصورة التي انتشرت نقلاً عن كاميرا، وقيل إنّها لخاشقجي لحظة دخوله القنصليّة، اعتبر الأيوبي أنّه “يمكن أنْ تكون مُفبركة، حتى لو كانت مأخوذة من الكاميرا”.
وأضاف: “إنّنا نعيش في عصر خطير جداً عبارة عن عصر خدَّاع بإمكانات تضليليّة هائلة جداً للرأي العام، فيمكن وضع صورة أي شخص وتضليل عامة الناس″، مشدّداً على “وجوب التشكيك في كلّ شيء”. وختم بالقول: “لو افترضنا أنّ السعوديّة تريد رأس الخاشقجي، فهي لا تخشى تنفيذ الاعدامات في حق المعارضين أمام الكاميرات والعالم”.