هل سينجو النظام الإيراني من فيروس كورونا؟
22 آذار 2020
JEAN-PIERRE FILIU- صحيفة لوموند الفرنسية
ترجمة صوفي شماس
هل سينجو النظام الإيراني من فيروس كورونا؟
يدين الشعب الإيراني إدارة الجمهورية الإسلامية الكارثية للوباء، في حين يحاول نظام الملالي الهرب من هذا الإنكار عبر التصعيد مجددا مع الولايات المتحدة في العراق.
فقد أعلنت إيران رسميا وجود ألف وخمسمائة وستة وخمسين حالة وفاة وعشرين ألف وستمائة وعشرة إصابات حتى 21 آذار، وهي ثالث أكثر الدول إصابة بفيروس كورونا، بعد الصين وإيطاليا. لكن الواقع أكثر كارثية، بسبب الكذب الذي مارسته الدولة طويلا بشأن الوباء بسبب رغبة الجمهورية الإسلامية إخفاء سوء إدارتها للأزمة، حتى ولو كان ذلك يعني تعريض الطاقم الطبي، في غياب وجود أي إجراء وقائي، إلى الإصابة بالفيروس. إذ أن نظام الملالي كان يتمسك بخرافة الحصانة الإلهية الممنوحة لمراكز الحج الشيعية التي ظلت مفتوحة حتى الأيام الأخيرة، وتحولت إلى مجموعات تلوث هائلة، وبالتالي فإن الشرعية السياسية والدينية للنظام هي التي تأثرت إلى درجة لا يمكنها ربما استعادة ثقة الشعب.
عمى المتطرفين
يوجد في إيران أكبر عدد من الشيعة في العالم، لكن مدينتي النجف وكربلاء المقدستين تقعان في العراق، ومن هنا تأتي الأهمية التي توليها الجمهورية الإسلامية لموقعي قم ومشهد. فقد تم تشييد موقع مشهد في شرق البلاد حول ضريح الإمام رضا، الثامن في رتبة التقوى الشيعية، ودفن هناك في العام 817. أما موقع قم، فهو على بعد 150 كيلومترا جنوب طهران، وهو وإن لم يضم سوى قبر فاطمة، شقيقة رضا، فهو أصبح ضروريا للنظام، إذن أنه يوفر الدروس التعليمية لأكثر من أربعين ألف طالب، مع نسبة عالية من الأجانب حيث تنافس ندواته مباشرة ندوات النجف. وفي مدينة قم تحديدا، اعترفت السلطات في 19 شباط بوجود أول حالتي فيروس كورونا في إيران، وأعلنت بعد بضع ساعات وفاة المصابين. لكن يُخشى أن يكون الوباء قد انتشر في وقت أبكر بكثير في المدينة، حيث يقيم سبعمائة متديّن صيني، دون احتساب المليونين ونصف سائح الذين يتم استقبالهم كل عام، من بينهم العديد من الصينيين (10 في المئة من العشرين مليون مسلم صيني هم من الشيعة).
منذ فترة طويلة دأبت دعاية النظام على اعتبار فيروس كورونا “مؤامرة من العدوين” الأمريكي والإسرائيلي، وهي مؤامرة تحمي هالة رضا وفاطمة الجمهورية الإسلامية منها. ففي وقت علقت المملكة العربية السعودية الحج إلى مكة والمدينة إلى أجل غير مسمى، اكتفت إيران بتطهير موقع مشهد مرافقة ذلك بحملة إعلامية واسعة في 27 شباط. وحده الارتفاع الهائل في عدد المصابين المعترف بهم دفع السلطات في البداية إلى استباق عطلة رأس السنة الإيرانية الجديدة لمدة أسبوعين في 5 آذار، ثم إلى إغلاق موقعي قم ومشهد في 16 آذار. عارض متظاهرون متطرفون هذا القرار مساء اليوم نفسه حيث اقتحموا الموقعين وقاموا حتى بتقبيل الضريحين.
ثقب أسود إيراني
لم يسبق أن كانت الفجوة واسعة إلى هذه الدرجة بين النظام الذي يراهن عليه المتطرفون الداعمين له، من جهة، والناس الذين روّعهم إفلاس حكامه، من ناحية أخرى. شكّل هذا الإنكار الشعبي جزءا من القمع الدموي للاحتجاجات في تشرين الثاني الماضي، وزاد الطين بلّة تفجير الحرس الثوري في كانون الثاني الماضي طائرة أوكرانية كان معظم ركابها من الإيرانيين. يصل اليوم الغضب العميق الذي غذته هاتان المأساتان إلى مستويات لا مثيل لها في مواجهة نظام متهم بالعمى الإجرامي، على خلفية الفساد المستوطن (يحتوي موقعا قم ومشهد عائدات كبيرة للغاية تعود إلى النخبة الحاكمة). لذا، يميل آية الله خامنئي وأتباعه إلى الهرب إلى الأمام قبل التصعيد الجديد مع الولايات المتحدة في العراق، لأن القضاء على سليماني في بداية العام أتاح لهم استعادة، ولو مؤقتا، وحدة وطنية لافتة.
استأنفت الجمهورية الإسلامية، التي انتصرت في دورة المواجهة السابقة مع الولايات المتحدة في العراق، الأعمال العدائية في 11 آذار. فقد قُتل أميركيان وبريطاني في هجوم صاروخي على قاعدة شمالي بغداد، وأسفرت الغارات التي شنتها واشنطن، ردا على الميليشيات الموالية لإيران، عن مقتل 6 عراقيين على الأقل، بينهم ثلاثة جنود وضابطي شرطة، مؤكدة دعوات إلى انسحاب ما يقارب الخمسة آلاف جندي أمريكي لا يزالون متمركزين في البلاد. أما طهران، فعلى الرغم من الطبيعة القاتلة لضربة 11 آذار، والتي أعقبها إطلاق نار آخر على أهداف أمريكية، فشلت في جرّ الولايات المتحدة إلى دوامة عنف دائمة. فالرئيس دونالد ترامب، المصمم على التوقف عن التورّط في الشرق الأوسط ، فضل الانتقام بتشديد العقوبات على إيران. على الرغم من الإعلام الدعائي للجمهورية الإسلامية بأن العقوبات الأمريكية هي السبب الرئيسي لضعف إيران أمام فيروس كورونا، إلا أن هذه المناورة لم تعد كافية لتخفيف انتقادات السكان الشديدة.
إن صدمة فيروس كورونا هي شديدة الوطأة على الجمهورية الإسلامية، ولن يتبيّن تأثيرها الكامل إلى أن يتم التغلب على الوباء. حينها يمكن أن تكون لحظة الحقيقة رهيبة بالنسبة إلى النظام الإيراني.