وفاة كل 10 دقائق في إيران وأطباء بلا أقنعة واقية
حذّرت وزارة الصحّة الإيرانية من أن فيروس “كورونا” الجديد يقتل شخصاً واحداً على الأقل كلّ 10 دقائق في إيران، مشيرةً إلى أن النقص في وسائل الحماية يجبر أطبّاء على علاج المرضى من دون معدّات واقية، بينما تقول عائلات إنها تدفن أحبّاءها من الضحايا في حفرٍ موقّتة.
وقد أصيب حتى الآن ما يقرب من 18 ألفاً وخمسمئة شخص، وتُوفّي ما لا يقلّ عن ألفٍ ومئتين وأربعةٍ وثمانين آخرين بسبب وباء Covid-19 في البلاد، وهو العدد الأعلى من الوفيات بعد الصين وإيطاليا.
وارتفع العدد الرسمي حوالى 149 إصابة يوم الخميس الماضي وحده، في أكبر قفزة له في يوم واحد منذ تفشّي الأزمة، ما يظهر مدى تسارع آثار الجائحة في إيران. لكن “منظّمة الصحّة العالمية” حذّرت من أن الحصيلة في إيران قد تكون أعلى بخمس مرّات، بحيث تقتصر الاختبارات المخبرية على “الحالات الأكثر خطورة”. وتواجه السلطات الإيرانية صعوباتٍ في فرض تطبيق تدابير الوقاية مثل الحجر الصحّي والعزل الذاتي.
وفي تغريدة عبر “تويتر” يوم الخميس الفائت، وصف كيانوش جاهانبور المتحدّث باسم وزارة الصحّة الإيرانية الأزمة بأنها كانت شديدة إلى درجة أن فيروس كوفيد-19 (كورونا) كان يقتل ما لا يقلّ عن ستة أشخاص في الساعة. وقال: “بناءً على معلوماتنا، يموت شخصٌ واحد كلّ 10 دقائق بفيروس ’كورونا‘ ويُصاب نحو 50 فرداً بالفيروس كلّ ساعة في إيران”.
وقد يرتفع هذا المعدّل بشكل أكبر، فقد خلصت محاكاة بواسطة الكومبيوتر أجرتها “جامعة شريف للتكنولوجيا” في طهران هذا الأسبوع، إلى أنه في أفضل سيناريو قد يتجاوز عدد القتلى 12 ألف شخص، ومن المحتمل أن يصل إلى ذروته في منتصف مايو (أيار) المقبل. أما في أسوأ السيناريوهات إذا واصل الناس الانتقال والسفر وتجاهلوا التوجيهات الصحّية، فيحذّر التقرير من أن ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف شخص قد يلقون حتفهم.
وبلغ عدد الوفيات جراء هذا الفيروس حتى يوم الخميس الأخير أكثر من تسعة آلاف شخص على مستوى العالم مع تسجيل أكثر من 200 ألف حالة إصابة. ومع توسع انتشار تفشّي الفيروس، تحدّث متخصّصون طبّيون إيرانيّون عن حالات إصابة لطواقمهم نتيجة المسارعة غير الآمنة إلى علاج المرضى، في وقت تعاني هذه الطواقم من نقص في الإمدادات.
وأفادت ممرّضة تعمل في مدينة كرج الواقعة على بعد 25 كيلومتراً من طهران لجهة الشمال الغربي، في حديثٍ مع صحيفة “الإندبندنت”، أن الأقنعة الواقية متاحة فقط لأولئك الذين يعملون في وحدات الطوارئ، الأمر الذي يزيد من خطر إصابة الذين يشتغلون في أقسامٍ أخرى من المستشفيات بالعدوى ونقل الفيروس إلى أشخاص آخرين. وتقول: “نحن نفتقر فعلياً إلى المعدّات. مستشفياتنا مكتظّة بالمرضى والفرق الطبّية منهكة للغاية. وعلى الرغم من ذلك ما زال الناس لا يأخذون هذا الأمر على محمل الجدّ”، على حدّ قولها.
وتضيف: “في الأيام الأولى توفرت أقنعة وثيابٌ واقية للطاقم الطبّي في مستشفانا. لكن الآن صارت أكثر ندرة مع تزايد عدد المصابين في جميع أنحاء البلاد”.
وذكر في المقابل أحد التقنيّين العاملين في مختبرٍ في طهران، أن كلّ موظّف طبّي يُزود بقناعين لكلّ نوبة عمل، وهذا غير كاف. وأكّد أن “حالات العدوى بين الأطبّاء والممرّضات والطاقم الطبّي تتزايد بسرعة بشكلٍ عام”. وأضاف: “نحن قلقون للغاية على عائلاتنا لأننا قد نصاب بالعدوى… ونحمل الفيروس إلى أفرادها”.
وذكر مدنيّون في العاصمة الإيرانية طهران لصحيفة “الإندبندنت” إن الجثث تتكدّس في المشارح، وعندما تتولى السلطات دفن الأشخاص المتوفّين، تقوم بوضع مادة الكلس على القبور للحؤول دون تفشّي المرض أكثر.
وفي المناطق الأكثر ريفيةً حيث يعيش المواطنون بمفردهم إلى حدّ كبير، تحدّث أحد الأشخاص عن أن السكّان المحليّين القلقين كانوا يدفنون الجثث على عجل في مقابر موقّتة ومن دون مراسم. وقال: “قبل أيام قليلة، لاحظ أحد أقاربي في مدينة بعيدة أن جاراً له مات على الأرجح بسبب فيروس ’كورونا‘، وكانت عائلته تخشى الاقتراب من الجثة”.
وأضاف “استخدم أقاربي بطّانيةً لحزم الجثة وتحريكها، ثم ألقي بها أخيراً في قبر، من دون أي تأبين كأن صاحبها حيوان نافق”.
وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن إيران فرضت حظراً مشدّداً على الحياة العامّة، رأى الشخص نفسه أن السلطات فشلت في عزل المدن وفرض التباعد الاجتماعي.
وبدلاً من ذلك، يُعد كثيرٌ من المواطنين للاحتفال يوم الجمعة بعيد النوروز، رأس السنة الإيرانية الجديدة. وقال الإيراني المقيم في طهران: “للأسف كثيرون لا يدركون الأمر، ولا يزالون يسافرون ويستعدون للذهاب في إجازات”. وأضاف: “إن النظام ببساطة لا يريد الاعتراف بعدم كفاءته”.
وأفادت الممرّضة في مستشفى مدينة كرج بأن عدداً قليلاً جداً من عناصر الشرطة منتشر وقلما يطبق حظر التجول.
وقد أصدرت السلطات بياناتٍ تطالب فيها الناس بالبقاء في منازلهم وتجنّب السفر في عطلة السنة الجديدة للمساعدة في احتواء عدوى فيروس “كورونا”.
لكن يوم الخميس، نُشرت صور مزعومة على الإنترنت تظهر اختناقاتٍ مرورية على الطريق السريع بين مدينتي طهران وقمّ. وكان تفشّي المرض في البلاد قد بدأ في مدينة قمّ معقل رجال الدين الشيعة في إيران، التي تبعد نحو 120 كيلومتراً عن العاصمة إلى الجنوب الغربي من البلاد.
وقد وجدت السلطات صعوبةً في إغلاق الأضرحة من أجل الحدّ من انتشار المرض كما تظهر مقاطع فيديو تمّ نشرها عبر الإنترنت لما يبدو أنه اقتحام مؤمنين متشدّدين ساحات فناء مزاري فاطمة معصومة ومشهد مطالبين بفتحهما.
ويقول مزاحم السلوم الباحث الذي يعمل مع متعهّدين غربيّين في مجال الدفاع: “تفيد مصادرنا على أرض الواقع من خلال المشاهدات الشخصية، أو عبر الحصول على تقارير من الأماكن الرئيسية في إيران، أن أعداد حالات الإصابة بـ كوفيد -19هي أعلى أربع مرّات على الأقل ممّا تفيد التقارير”.
وأضاف “لا يسع السلطات إجراء الاختبارات المناسبة، فقد كانت تقوم بفحوصاتٍ طبّية فقط لأولئك الذين يعانون أعراضاً شديدة. ولم تتمكّن من فرض تدابير الحجر الصحّي أو التباعد الاجتماعي، وهناك مخاوف في شأن إحياء رأس السنة الجديدة”. واعتبر أن “النظام أساء جذرياً إدارة الأزمة”.
وأشار وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في رسالته الخاصّة لمناسبة عيد النوروز، إلى الولايات المتّحدة قائلاً إنها “مسؤولة عن التداعيات المدمّرة في إيران من خلال مواصلتها فرض عقوباتٍ معوّقة للبلاد وهي تكافح من أجل احتواء المرض”.
وقد قاومت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوطاً لتخفيف العقوبات عن طهران من خلال السماح بتسهيل وصول الإمدادات الطبّية إليها، متجاهلةً سابقةً أقدم عليها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عندما أزال القيود التجارية وأرسل مساعداتٍ إليها بعد زلزال العام 2003.
وبدلاً من ذلك، فرضت واشنطن يوم الثلاثاء الأخير عقوباتٍ جديدة على طهران، مدرجةً ثلاثة إيرانيّين على القائمة السوداء، بسبب انخراطهم في ما سمّتها “تعاملات مهمّة” تتعلّق بالتجارة في البتروكيماويات الإيرانية.
وأصرّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على القول إن واشنطن ستواصل حملتها القصوى في الضغط على إيران من أجل خنق قدرة طهران على تصدير نفطها.
وتتمتّع إيران بعلاقات تجارية وسياسية قوية مع الصين، حيث ظهر فيروس “كورونا” العام الماضي. وقد نفت لأسابيع عدّة أن يكون قد ظهر في مدنها، لكنها عادت وأقرّت أخيراً بوجوده في التاسع عشر من فبراير(شباط) الماضي.
وعلى الرغم من ذلك، أصرّ الرئيس الإيراني حسن روحاني على القول يوم الأربعاء الفائت أن حكومته كانت صادقةً مع الناس، واصفاً في خطاب بثّه التلفزيون الرسمي مباشرةً على الهواء الاتّهامات الموجّهة إلى طهران بأنها سعت في البداية إلى التقليل من شأن تفشي فيروس “كورونا”، بأنها “دعاية سياسية”.
وردّاً على الانتقادات العامّة المتزايدة، بما في ذلك من أحد الممثّلين على شاشة التلفزيون الذي انتقد السلطات علناً على كذبها وفشلها في إغلاق مدينة قم، قدّمت السلطات في طهران غصن زيتون (عربون سلام) الى عددٍ من خصومها وأطلقت سراح 85 ألف سجين بناءً على سندات إقامة.
وأعلنت السلطات الإيرانية يوم الأربعاء أيضاً أنها ستعفو قبل عيد النوروز عن السجناء الذين يقضون أحكاماً تقلّ مدتها عن خمس سنوات بتهم “ارتكاب جرائم أمنية”. ولم يتّضح بعد ما إذا كان العفو هذا سيشمل نازانين زغاري- راتكليف، المواطنة المزدوجة الجنسية (بريطانية وإيرانية) المفرج عنها بسند إقامة بعد صدور قرار بسجنها خمس سنوات، على أثر تلفيق تهمٍ إليها بمحاولة إسقاط النظام.
The Independent