الظواهري حزين لمقتل سليماني.. اخوة الإرهاب
السؤال الذي يتردد الآن بين المجاميع المستفيدة من الايرانيين و يشغل المراقبين، هو بأي يد ستغسل طهران شرف امبراطوريتها الميلشياتية بعد اصطياد رمزها الأهم قاسم سليماني. هل “باليد الناعمة” عبر العودة إلى سياسة الصبر الاستراتيجي وقبض ثمن “عدم التصعيد الأهوج” للحصول على تنازلات كبيرة من الاقليم والغرب. أم “يد الإرهاب والبطش” التي يمتلك النظام أدوات كثيرة، حين يقرر تحريكها؟ وهو الذي بات محسوماً أنه ليس ساذجاً إلى حد مواجهة القوة الأعظم في العالم برد صريح، على نحوٍ مما يروج الحرس الثوي على لسان أحد زعمائه محسن رضائي بعد مقتل سليماني فيما نقلت عنه متلفزاً وكالة فارس الايرانية.
تجديد دماء الوصل بين القاعدة وايران
ومنذ وقت مبكر من تاريخ المواجهة بين القاعدة وأميركا، دخلت إيران على الخط للغرض نفسه، فعداوة واشنطن قاسم مشترك بين الطرفين، حتى وإن كانا متضادين عقدياً، إلا أن هذا التضاد بالنسبة إلى الايرانيين والجهاديين ليس مهماً كثيراً، بدليل حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، اللتين نددتا باغتيال سليماني واعتبراه في منزلة “الشهداء”، غير مبالية بسخط أنصارهما في بلدان عربية وإسلامية عدة.
ومع استماتة القاعدة مرات عدة في نفي التعاون بينها وبين الايرانيين، إلا أن استضافة طهران لقيادات في التنظيم وعائلاتهم، وفرضها الاقامة الجبرية على ذوي القيمة الاستراتيجية منهم أمثال عائلة بن لادن في وقت سابق، كان دليلاً لا يمكن معه نكران التفاهم والتنسيق في بعض الأدوار، وتوظيف التنظيم عسكرياً ضد أعداء إيران حيناً، وورقة للتفاوض حيناً آخر.
وكان نائب الرئيس مايك بينس، قال إن سلیماني کان على اتصال بحركة طالبان في أفغانستان، وساعد بعض مرتکبي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في أميرکا.
وكتب بينس، على موقع “تويتر”، “ساعد قاسم سليماني 10 من الإرهابيين الـ12 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في الولايات المتحدة، في زيارة سرية لأفغانستان”.
ووفقًا لما قاله نائب الرئيس الأميركي، فقد “أشرف سليماني في أفغانستان على الدعم المالي والتنظيمي والعسكري لطالبان، ودعم الهجوم على قوات التحالف”.
وفي جزء آخر من رسالته، وجّه بينس اتهامًا لقاسم سليماني بتنظيم عملية محاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن، سابقًا، في عام 2011. كما ألقى باللوم على فيلق القدس، في “المؤامرات الإرهابية” في تركيا وكينيا عام 2011.
كما أن باحث أميركي وسعودي وثقا في كتاب جديد نشراه العام الماضي باللغة الانجليزية بعنوان “حرق الشيطان”، كيف أن أحداث 11 سبتمبر أيلول، تمت بمساعدة إيرانية في بعض جوانبها اللوجستية.
العلاقة بدأت منذ السودان
وقال الباحث السعودي الدكتور عبدالله الطاير لـ”اندبندنت عربية” الأمر لا يتعلق بنظرية المؤامرة، “إنما بخطة وُضِعت بإحكام لاصطياد عدة طيور بحجر واحد. فحرق الشيطان وفقاً لمرافعات وشهود في قضية مرفوعة ضد إيران في محكمة فيدرالية بنيويورك هو الاسم الرمزي الذي أبلغت به إيران عملاءها منتصف عام 2001، وأخبرتهم أنه فُعِلت العملية، ومما يزيد هذا الاعتقاد صدقية أن إيران اشترت جهاز محاكاة قيادة طائرات بوينغ، وهي لا تملك واحدة منها، بينما جميع الطائرات المشاركة في هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) من طراز بوينغ”.
وكان تقريرٌ للجنة البرلمانية المستقلة حول تلك الأحداث (يؤكد الطاير) أنه تحدَّث عن “علاقة لإيران بالموضوع، وتمت التوصية في التقرير بمتابعة الأجهزة الأميركية الأمنية له، لكن لم يحدث ذلك، وهو ما جعل بعض أسر الضحايا يعتمدون على هذه التوصية ويوظفون خبراءً ومحامين لمزيد من البحث في علاقة إيران بأحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وقد استدعى القاضي الشهود، ومنهم عميل مخابرات إيراني استدعي من ألمانيا للشهادة، وأُدينت إيران فعلاً، وصدر عليها حكمٌ بذلك مرتين”.
وفي وقت تنفي طهران رواية الكاتبين، فهما يكشفان أنه على الرغم من نفي القاعدة وإيران، كلٌّ من طرفه، علاقة استراتيجيّة بينهما، فإن “المعلومات الموثقة تشهد بأن الصلة بدأت بين الجانبين في السودان منذ عام 1992، عندما التقى وفد الحرس الثوري أسامة بن لادن وبرعاية الشيخ حسن الترابي الذي كان يؤمن بالتقريب بين المذاهب، وله طروحات في ذلك. وقد كان عماد مغنية ضمن ذلك الوفد، ودُرِبت عناصر القاعدة في لبنان، كما أن أميركا والسعودية عدوٌ مشتركٌ لكل من القاعدة وإيران، ولذلك فقد كانت العمليّة خطةً أعدَّتها دولة، ونُفِذت من قبل عناصر إرهابية حُرِصَ على اختيارها من الجنسية السعوديَّة”. على حد وصفهما.
وذهب الكاتبان في النظرة التآمرية إلى أبعد، عندما شككا في أن يكون السعوديون الذين يشكلون غالبية المنفذين للهجمات، كانوا في الطائرات يومها أم أنهم جرت تصفيتهم في مكانٍ آخر، وكان المنفذون أشخاصاً آخرين يحملون جوازاتهم، في إشارة إلى الإيرانيين!
ويبرران وجاهة هذا الزعم بأن “ثمة تقارير عديدة تتحدث عن سفر الإرهابيين إلى إيران برفقة عماد مغنية، وعدم ختم جوازات سفرهم، كما أن خالد شيخ محمد سهّل مرور اثنين من الإرهابيين من طهران إلى مكة ثم أميركا في أثناء إقامته في الدوحة. العلاقة بين القاعدة وإيران حقيقية، وقد أفرجت المخابرات الأميركية عن عدد من الوثائق التي وُجِدت في مقر أسامة بن لادن الذي قتل فيه، وهي تشير إلى أن السعودية وأميركا عدوٌ مشترك للقاعدة والحرس الثوري، ولذلك ضُربت أميركا بالسعودية في محاولة لتهشيم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين”.
تمسك الظواهري بإيران يهدد بانشقاق جناح بن لادن
وإذا كان ثمة مهندس للتحالف بين القاعدة الأم وطهران، فهو قاسم سليمان وأيمن الظواهري، مما دفع التنظيم إلى الامتعاض من قائدها الأسبق في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان يستهدف ليس الأميركيين فقط ولكن أيضاً حلفاء إيران في العراق من المسلمين الشيعة، ومنذ ذلك الحين تولدت لدى الجهتين قناعة بالتنسيق لاستهداف عدوهما المشترك أميركا.
وقد حصلت “اندبندنت عربية” من أطراف مقربة من التنظيم على رسالة خاصة بين الظواهري وحمزة بن لادن، ركز فيها على نقاط الاختلاف بينهما، ويؤكد له نفاد صبره تجاه سياساته في قيادة التنظيم والاستبداد بالرأي، بما في ذلك فرضه الأمر الواقع بإسناد مهمات قيادية إلى أعضاء التنظيم في إيران، على الرغم من مضي وقت طويل لهم هنالك، وعيشهم في ظروف لا تسمح لهم بالاستقلال.
وتناول بن لادن في رسالته جانبين يمسانه شخصياً حتى وإن حاول إبداء الرأي فيها كما لو أنه لا يدافع عن حظ لنفسه، وهو ثقة الظواهري في ذوي الخبرة الجهادية عكس حمزة، والقاطنين في إيران ممن عايش بن لادن الابن عن قرب ظروف إقامتهم التي جعلته لا يرغب إسناد مهمات قيادية إليهم، في تشكيك صريح في ولائهم للتنظيم بعيداً عن أهواء النظام الايراني.
وقال في رسالته إلى الظواهري التي يوبخه فيها على تجاهله رسالة أخرى سبقته، “كنا تناولنا قضية التعيينات وكيفية صياغتها وقد علمتم وفقكم الله أن الوالد كان يولي بحسب السابقة والهجرة والعمر، ولم يمنعه ذلك من تولية أصحاب الخبرة والاختصاص حتى وإن كانوا حديث عهد بجهاد وقتال وأن لا يكون ذلك حكرا على فئة معينة من الناس. كما وذكرنا لكم أن تواجدنا في ايران تم ضمن واقع فرض على الجميع وأن الإخوة الأفاضل وإن كانوا أهل خبرة وهجرة وجهاد لا ينبغي أن يناط بهم أي تكليف، وذلك يعود لاعتبارات كثيرة ذكرها لكم اخونا الحضرمي في رسالته “الإفصاح والإيضاح”.
ومع أن الحضرمي المذكور ليس معروفاً، ولا رسالته حتى الآن في الافصاح، إلا أن تاريخ القاعدة ومذكرات زعيمها التي أفرج عنها الاميركيون، واضحة في أن الجناح اليمني هو الأقرب لابن لادن بحكم القرابة والانتماء العشائري، أما المصريون فإنهم تكتل استحوذ على بن لادن فكرياً بحكم قدراتهم التنظيمية، ولم يكونوا يوماً بمحل ثقة وصدق اليمنيين بالنسبة إلى بن لادن الأب ويبدو أن الابن ايضاً تبعه في ذلك.
ولا ندري إذا كان حمزة يتهم الظواهري في هذا الشطر من الرسالة من طرف خفي بالعمالة لإيران أو غض الطرف عن احتمال اختراقها التنظيم، أم أنه بحكم خبرته مع رجال طهران يعرف أنهم كانوا مستحوذين على أشياخه في التنظيم هنالك أمثال سيف العدل وأبو حفص الموريتاني.
ماذا تقول وثيقة “سي آي ايه” عن العلاقة؟
وكان بن لادن الصغير اتخذ موقفاً مضاداً من الظواهري وإيران بعد توصله إثر إقامته هنالك أن النظام في طهران يستخدمهم أكثر مما يخدمهم، ووجه في رسالة بعثها إلى والده قبل مقتله في آبوت آباد الباكستانية 2010 يشكو فيها ظروف إقامته معهم. في وقت يعتقد والده أسامة بن لادن حسب الوثائق المفرج عنها من جانب الأميركيين، أن الايرانيين وراء مقتل ابنه سعداً الذي كان عندهم، وكان يخشى أن يتم استهدافه عبر تتبع عائلته المقيمة في إيران عندما أُطلق سراحها ضمن صفقة، وهذا ما كان، إذ لم تمكث العائلة يسيراً بعد انضمامها إلى بن لادن حتى استهدف وقتل، وابنه حمزة في طريقه إليه قبل أن يصل.
واستقبلت إيران في 2003 مجموعة من قيادات التنظيم بعائلاتهم، منهم صهر الظواهري من جهة زواجه أخته، وهو أيضاً صهر خالد ابن الشيخ بزواجه من ابنته، واسمه النعمان أبو سهل، ومعه في أبو الخير ومحمد الزيات وسيف العدل وأبو حفص الموريتاني وأبوغيث ومحمد شوقي الاسلامبول، وأبناء بن لادن عثمان ومحمد وحمزة ولادن، وزوجته خيرية صابر، والعديد من زوجات المقاتلين، ولا يزال بعضهم حتى الآن هنالك مثل سيف العدل والموريتاني. وكانت السلطات الإيرانية تحتفظ عليهم في بداية الأمر داخل سجن، ثم بعد ذلك أخرجتهم ووضعتهم تحت الإقامة الجبرية.
وتكشف وثيقة تحتفظ بها مكتبة “سي آي ايه” الاميركية، قالت إن صهر الظواهري كتب فيها أن الايرانيين “أخبروا الاخوة قبل مغادرتها (عاد إلى أفغانستان ترتيب إيراني!) أن الذي سوف يغادرهم أولاد الشيخ أسامة والنعمان (المتحدث) وابن أبي جهاد، أما عن باقي الإخوة فسوف يخرجونهم إلى الحياة الشبه طبيعية كما يدعون. وفي السنة الأخيرة وفروا للجميع الذهاب إلى الانترنت للاطلاع فقط لمدة ساعتين أسبوعياً، دون استخدام الانترنت في إرسال أي شيء، وأيضاً تجدر الإشارة أن الايرانيين قالوا لكل من الأخ سيف العدل والشيخ أبو حفص الموريتاني بأنهما سيكونان آخر من سيفرج عنهما”.
ولا ندري إلى أي ناحية سيتجه التلاقي بين القاعدة وطهران تحت عباءة “عدو عدوي صديقي”، إلا أن مؤشرات الفائدة من ازدهار تلك العلاقة بعد مقتل سليماني تبدو أرجح، خصوصاً إذا ظل الظواهري هو المستحوذ على القرار في التنظيم، بوصفه المؤمن الأكبر ببقاء رجاله في طهران مؤثرين في إدارة ملفات التنظيم في المنطقة تحت عيني قاسم سليماني، أما اليوم فإن عوض قاسم لن يكون على كما يعتقد أفضل من بديل أسامة بن لادن في التنظيم، فمواصفات المؤهلين لقيادة العصابات ليست دائماً مواتيةً، منذ جيفارا وكارلوس حتى بن لادن والزرقاوي والبغدادي وسليماني ونصر الله وغيرهم.
المصدر: اندبندنت العربية