صمت الغرب وازدواجية اليسار: كيف ساهمت سياساته في ولادة الإرهاب العالمي

بقلم تادي عواد
لقد انتظر الغرب طويلًا قبل أن يتحرّك نحو تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وكأنّ التاريخ والعالم بأسره لا يقدّمان ما يكفي من الدروس. هذا التأخير المريب يعكس ازدواجية المعايير وغياب البصيرة في التعامل مع أحد أخطر التهديدات الأمنية العالمية.
من عبد الله عزّام، إلى أسامة بن لادن، إلى أيمن الظواهري، وصولًا إلى مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين… لم يكن هؤلاء طفرات ولا أحداثًا معزولة، بل حلقة في سلسلة متصلة من أبناء المدرسة الإخوانية نفسها. وقد وثّق الباحث توماس هيغهامر في كتابه المرجعي القافلة الدور الفكري والتنظيمي لعبد الله عزّام داخل المنظومة الإخوانية، ودوره المحوري في بناء الجهاد العالمي¹. كما يؤكد لورنس رايت في كتابه البرج العالي أنّ جذور القاعدة الأيديولوجية تقع مباشرة في أفكار سيّد قطب، أحد أبرز منظّري الإخوان المسلمين².
هذه المدرسة الفكرية التي بشّر بها قطب قامت على شرعنة “تكفير المجتمعات” واعتبارها في حالة “جاهلية معاصرة”، بما يفتح الباب أمام إباحة الدم. وقد تناول جون كالفرت هذه المرحلة في دراسته الأكاديمية أصول الإسلاموية الراديكالية، موضحًا كيف تحوّلت أفكار قطب إلى أرضية عقائدية للحركات الجهادية السنّية المعاصرة³.
لكن التأثير لم يقف عند حدود الحركات السنية. فبحسب دراسة منشورة بعنوان Sayyid Qutb in Iran، تُرجمت كتب قطب إلى الفارسية بإشراف شخصيات مركزية في الثورة الإيرانية، وكان لها تأثير ملحوظ على خطاب الجمهورية الإسلامية الناشئة⁴. كما توثق تحليلات صادرة عن Hudson Institute وStrategiecs نقاط تقاطع أيديولوجية واضحة بين الإخوان والثورة الإيرانية، إضافة إلى إعجاب الخميني بمنهج الإخوان التنظيمي والحركي⁵. وفي المقابل، تشير دراسات مقارنة صادرة عن جامعة METU إلى أنّ الإخوان رحّبوا بالثورة الإيرانية عام 1979، واعتبروا الخميني “مجدّد الإسلام”، وأرسلوا وفود التهنئة إليه⁶.
ورغم أن السياق الأيديولوجي كان يتّجه نحو المزيد من التطرف، فإن الغرب ظلّ صامتًا. بل أكثر: احتضن التنظيم، موّل مؤسساته، وفتح له المجال في الإعلام والأكاديميا. وتشير تقارير Counter Extremism Project إلى أنّ العديد من المؤسسات التابعة للإخوان في أوروبا استفادت من شبكات تمويل غربية تحت واجهات العمل المدني⁷.
أما اليسار الغربي، فقد لعب دورًا بارزًا في تلميع صورة الإخوان كـ“حركة إصلاحية”، متجاهلًا إرثهم الفكري والسياسي، ومتجاهلًا التحذيرات الأكاديمية من خطورة أدبياتهم التأسيسية.
وهكذا، ساهمت سياسات الغرب — من الصمت إلى التلميع — في خلق الوحش ثم التظاهر بمحاربته. والنتيجة: إرهاب عالمي ممتدّ من الشرق الأوسط إلى أوروبا نفسها، تغذّى على التردد الغربي واستفاد من هشاشة سياساته.
واليوم، يقف الغرب أمام فرصة أخيرة لتصحيح هذا الخطأ التاريخي. ويبقى السؤال المطروح:
هل يمتلك الجرأة لمواجهة الحقيقة وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية؟ أم سيستمر في التهرب وتبرير فشله بمسوّغات سياسية؟
المراجع:
Thomas Hegghammer, The Caravan: Abdallah Azzam and the Rise of Global Jihad.
Lawrence Wright, The Looming Tower: Al-Qaeda and the Road to 9/11.
John Calvert, Sayyid Qutb and the Origins of Radical Islamism.
“Sayyid Qutb in Iran: Translating the Islamist Ideologue in the Islamic Republic,” ResearchGate, academic study on the translation and impact of Qutb’s works in Iran.
Hudson Institute & Strategiecs — analyses on ideological links between the Muslim Brotherhood and the Iranian Revolution.
METU University Thesis: Comparative study between Qutb, Mawdudi, and Khomeini.
Counter Extremism Project, Reports on Brotherhood-linked organizations in Europe.




