تراجع الحالة العونية لسببين.. التحالف مع “حزب الله” وبسبب جبران باسيل
تراجع الحالة العونية لسببين الأول بسبب التحالف مع “حزب الله” والثانية بسبب جبران باسيل وصورته.
يقول أحد النافذين في حركة “أمل” أن التقارب مع رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل بات مُلزماً نظراً للأوضاع السياسية والشعبية في لبنان، “غير أن باسيل في ورطة كبيرة ومن غير الممكن الخروج منها، إذ أدت الإنتفاضة إلى ضرر كبير في بنية تياره الشعبية، كحال غالبية الأحزاب في لبنان، غير أن الضرر الذي أصاب باسيل كان بالغاً إذ أدى إلى تضرر صورته إلى دررجة بات من الصعب إصلاحها”.
يحتار محدث القيادي المذكور ما اذا كان حديثه نابعا عن تعاطف مع باسيل أم عن شماتة بسقوط أكبر خصوم “أمل” في السنوات الماضية، لكن بعيداً عن مشاعر الرجل، تبدو إشكالية تراجع شعبية “التيار” وتهشمّ صورة باسيل تفرض نفسها، نظراً لأهميتها في السياسة والمجتمع.
لأسباب كثيرة، تمت الاضاءة على مشاركة المكون السني في الثورة ما قلل التركيز إلى حدّ ما عن المشاركة المسيحية التي شهدت إنفجاراً شعبياً قد لا يقلّ أهمية عن نظيرتها، بل قد تكون حالة التعاطف مع الحراك الشعبي في هذه الساحة الأكبر بين كل الساحات الطائفية والمذهبية في لبنان.
يأخذ تراجع شعبية “التيار الوطني الحرّ” أهميته من كونه مقدمة جدية لإعادة عزل “حزب الله” وحصره في ساحته المذهبية الضيقة، في ظل خلافه المتفاوت مع باقي المكونات المسيحية، ومع المكونات الكبرى في الطوائف الأخرى، كما أن التراجع الجماهيري للحالة العونية بوصفها الحالة الأكبر لدى المسيحيين تعني حتماً وإلى حدّ بعيد، فقدان المسيحيين لدافع البقاء في لبنان، بإعتبار أن رهانهم على زعمائهم لبناء الدولة التي يحلمون بها والذي أبقى جزءً ا كبيراً منهم من دون هجرة، سقط بعد 15 سنة من عودة عون وخروج جعجع من السجن. إن حماسة المسيحيين للحراك هو حماسة للتغيير الجذري وبناء الدولة وليس سعياً لإستبدال الأطر الحزبية التقليدية بأطر جديدة. حتى أن الفئة التي شعرت أن ما يقوم به باسيل في الدولة يعيد لهم حقوقهم السياسية، باتوا بعد إنتفاضة 17 تشرين يدركون أن رئيس “التيار” غير قادر على خوض معارك إستعادة حقوق المسيحيين لأنه أجبر على الإنكفاء.
يعود تراجع القوة الجماهيرية للحالة العونية منذ عودة الرئيس ميشال عون إلى لبنان حتى الآن لسببين رئيسيين، الأول تمثل بالتحالف المفاجئ مع “حزب الله” والذي أخرج فئة من مناصري عون عن تأييده، والثانية هي باسيل وصورته.
يختلف المراقبون عما اذا كان باسيل نفسه هو من ساهم بتشويه صورته أم أن هناك حملات إستهداف سياسية مبرمجة رافقته منذ توليه وزارة الإتصالات أدت إلى إيصاله اليوم إلى وضعه الحالي. الواقع يقول أن مأزق باسيل يعود إلى السببين معاً.
خطأ باسيل الأكبر أنه ربط كل السلطات الحزبية والنيابية بنفسه، وبات مرجعاً مقرراً لكل الملفات التي يديرها وزراء التيار، الأمر الذي وضعه أمام خصومه بوصفه هدفاً لا يمكن إستبداله داخل “التيار” وتالياً فإن ضربه سيكون حتماً كافياً لضرب “التيار” كقوة سياسية، وهذا ما يفسر حالة الرعب لدى “حزب الله” على وضع باسيل الأمني. فقد طلب الحزب قبل نحو سنتين من باسيل بشكل شبه رسمي أخذ الحيطة والحذر الأمنيين، إذ كان الحزب مرتاباً من إنهاء الحالة العونية عبر إستهداف باسيل الذي وضعت كل الملفات في سلته.
في الأصل عمل باسيل على إفراغ “التيار” من الكوادر البارزة والقادرة على حمل ملفات حقيقية وادارتها والدفاع عنها، مما جعله هدفاً يتقاطع عليه أي منتقد لأي نشاط عوني نيابياً كان أم وزاريا او حزبيا، فكل هذه الملفات بيد شخص واحد يتحمل تبعات الفشل والنجاح فيها.
يقول البعض أن الكيميا لها دور في السياسة، وأن الكيميا لم تركب بين باسيل وحلفائه، فضلاً عن خصومه، لكن بعيداً عن الكيميا التي لا يمكن التأثير عليها وتغييرها، هل يمكن لباسيل اليوم وبعد حراك 17 تشرين الذي إستهدفه بشكل حاد ومباشر، إصلاح صورته وتالياً الخروج من المأزق؟
لا تستطيع الشركة التي يقال أنه تعاقد معها من أجل تحسين صورته القيام بما يلزم، ويبدو أنها، وفق المعلومات المتوافرة، نصحته بالإبتعاد عن المشهد، أي أنها أعطته أسهل الحلول وأصعبها، متقاطعةً مع آراء كُثر من السياسيين الذين يعتبرون أن الحلّ الوحيد الذي قد يعيد الحيوية الشعبية للتيار هو ألا يعود باسيل رئيسه، لكن هذا الحلّ غير وارد في ذهن باسيل الذي قرر على ما يبدو التخفيف من طلاته الإعلامية.
قد يكون الحلّ أمام باسيل مزدوجاً يقوم على تصفير المشاكل مع نظرائه السياسيين أولاً، الذين يديرون ويمولون معركة إعلامية ضخمة على مواقع التواصل الإجماعي وفي الإعلام التقليدي ضدّه، والتي من الواضح أنها آتت أكلها بعد سنوات، وثانياً المصالحة مع قدامى “التيار” الذين يشكلون عموداً اساسياً من أعمدة الحراك الشعبي وسبباً رئيسياً لتشوه صورته كزعيم، والتوصل معهم إلى حلّ حقيقي وجذري يعيدهم إلى “التيار” جماعياً، وتالياً القيام بتعديلات حقيقية على أسلوب صنع القرار داخله، إذ إن هذا الأمر هو أكثر ما يزعج هؤلاء.
كل ذلك يبدو نظرياً، إذ إن “التيار” عمد أمس إلى إنهاء عضوية المحامي فؤاد العضم لأسباب يقول معارضون أنها مرتبطة بعلاقته مع النائب شامل روكز، الأمر الذي يعيد النقاش إلى نقطة الصفر، هل يعلم باسيل حجم المأزق الذي يعاني منه، وهل يعلم أسبابه؟
علي منتش – لبنان 24