تحت المجهر

“الأسوَد” وهزلية النواب العونيين.. معركة الصحون والنرجيلة

استفزاز التيار الوطني الحر، نواباً ووزراء ومسؤولين، لا ينضب. يستفزّ حلفاءه وخصومه، وعموم الناس. من لهم ومن ليس لهم في السياسة. وآخر معاركه في مطعم في أنطلياس، حيث وقف النائب زياد أسود متوعّداً الثوار بأنّ وقت المزح قد انتهى. بات في هذا البلد ممنوع أن نعترض، ممنوع أن نأكل، ممنوع أن نحصل على أموالنا، ممنوع أن نطالب بحقوقنا، وممنوع أن نمزح. مسموح فقط أن نعيش ونستمتع بهذا العهد وقوّته.

بدا أسود وكأنه اقتبس خطاباً من الحرب الأهلية لبشير الجميّل (هيهات أن يكون بسويته). “معركة أنطلياس” في تهويمه للأسود وكأنها من مستوى حصار زحلة أو الأشرفية، لا بل أكثر، هي دفاع عن الكرامة. بإصبع مملوء بعنفوان مغشوش هددّ أسود. لوّح بإصبعه وقال “ما حدا يلعب معنا”. أما المؤثرات الخاصة للمشهد، فكانت قرقعة صحون وشوك وسكاكين طعام. وفي الخلفية نرجيلة. وفي ظرف مماثل لا يمكن للمزاح أن ينتهي. هذا المشهد نكتة بحد ذاته. مثير للسخرية أكثر من الواقعة بحد ذاتها. أنفخ وأنسى الدنيا يا رجل. علّ ذلك يبسّط الواقع على أسود، وغيره من النواب وأعضاء فريق الحكم في الوزارات والمناصب والنيابة. واقع أنه لن يهنأ لهم بال في الفضاء العام. سكونهم إن وجد، لن يكون إلا بين حيطان أربعة، في منازلهم وبين شركائهم والمقرّبين منهم. أما العالم الخارجي فيلفظهم. سيبقون محاصرين وغير مرحب بهم بين الناس.

في معركة أنطلياس خاض أسود جبهة الدفاع عن الكرامة والأخلاق والشرف، “وما حدا بيضهّرنا لا من مطعم ولا من بيت ولا من طريق”. معركة كبرى، في تكتيكاتها ومكتسباتها. ولكن الواقع يقول إنّ خروج أيّ من هؤلاء إلى العالم الخارجي، بحاجة إلى تكاتف نواب ووزراء وزملاء.. وإلى سَرية من الجيش اللبناني، وانتشار أمني وجمهور ليموني، أو من لون آخر، يهتف “بالروح بالدم نفديك يا زعيم”. ستكون كلفتها عالية وكذلك كمّ الذل والإحراج التي تتسبّب به. وعلى الرغم من كل ذلك، عاد أسود وهرب أمام عدسة الكاميرا. لم يتسنَّ له التفاخر بإنجازه- وقاحته، وهرب من الحجارة كالغزال. حتى هذه المعركة الهزلية خسرها.

هزلية التيار
تتشابه المعارك المماثلة التي خاضها ويخوضها التيار الوطني الحر منذ زمن. معركة الـ”هيلا هو” المجيدة إحداها، وكل شعارات ثورة 17 تشرين وأولها “كلن يعني كلن”. فالتيار الذي يرفض أمام الجمهور عضويته في نادي الفساد والمحاصصة، يحاول مجدداً أن يتمايز عن هذه الطبقة. لكن سرعان ما سقط في فخّ “البلطجة” عينها التي تعتمدها قوى السلطة، حلفاؤه وخصومه المفترضون معاً. فكان مشهد الاعتداء على الثوار في “معركة أنطلياس” على يدّ “شبيحة” أسود ومن معه. منهم من كان مسلحاً ومنهم تسلّح بـ”الشرعية”. فسقط جريحان وحضرت القوى الأمنية للملمة الأمور. وقبلها مشهد التشبيح على طريق بعبدا وإطلاق النار في جل الديب. سبق كل هذا مناسبات ومواقف جمّة، فيها ما يكفي من قبح سياسي وأخلاقي وإنساني، تشكّل من خلاله وجه التيار.

المواقف القبيحة
لن ينسى أحد الكلام الذي وجّهه عضو تكتل “​لبنان القوي” النائب ​ماريو عون​، في أزمة الحرائق في تشرين الأول الماضي. سأل يومها بكل وقاحة “لماذا لا تطال الحرائق إلا مناطق مسيحية بالتحديد”؟ هذه طائفية موصوفة ولو أنها مدعاة للسخرية. هزلية الموقف تقاس أيضاً بمدى قبحه وتخلّفه. وموقف التيار ومسؤولوه من اللاجئين مشابه. لن تمحو عنصريتهم صورة لنائبة رئيس التيار، مي خريش، مرتدية الكوفية الفلسطينية استنكاراً لصفقة العصر. فالتضامن مع فلسطين، بالنسبة لهؤلاء وغيرهم، ليس حباً بها بل كرهاً للفلسطينيين. هي مادة دسمة للبيع والشراء، تماما كحال قضية اللجوء السوري والطلب المستمر للدعم المالي الدولي. باختصار، فلسطين فيها فلس وطين، لكن الفلس أولاً ومعه تزول كل الحساسية المعنوية من الكوفية.

العنصرية الموصوفة
وللتيار أيضاً أصدقاء موصوفون للهزل. جوزف أبو فاضل أحدهم ومعه سائر الجوقة العنصرية. فيها من يطرق أبواب الحرب الأهلية بواسطة الجثث وأكياس الجنفيص، وفيها من يلهث وراء اللاجئين في خيامهم لتحميلهم عبء أزمة الكهرباء التي تسيّدها وزراء التيار منذ عقد. وكل هذا الهزل يتخبّى بخطاب عنصري. هذا ما قاله رئيس التيار، الوزير السابق والنائب جبران باسيل “نحن عنصريون لبنانيون لكننا نعرف كيف نكون مشرقيين”(8 تشرين الأول 2017). وكلام آخر عن أنّ الباسيليين “عنصريون بوطنيتهم”، بما فيه من التباس جديد بين الوطنية والقومية والعنصرية. ومن هذه الجوقة أيضاً مثلاً الفنان زين العمر، طوني حدشيتي سابقاً، ويضاف إليه أسماء إعلاميين وسياسيين وفنانين.

الجبلة المميتة
كل هذه الأسماء وهذه المواقف توحي وكأنّ التيار الوطني الحرّ جُبل بخلطة خاصة، عجيبة عصية على الهضم. وعصية على “الهضامة” أيضاً، تحديداً إذا تجسّدت الأخيرة بشربل خليل وما يحويه من استفزاز وحقد وقبح وتخلّف وعنصرية وعقد جنسية ويمينية وقصر نظر. خلطة مسنودة من الشرعية ونقضيها، لا شفاء منها وفيها، ولا نقاش معها ينفع. لا تعامل معها إلا بالهزْل.

المصدر: نادر فوز – المدن

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button