هدر وفساد وصفقات… لا تنتهي منشآت “الشفط” في طرابلس والزهراني
إيفون أنور صعيبي – نداء الوطن
في لبنان “مغارة” فساد منسيّة بين أروقة الإدارات المهترئة والمتآكلة بفعل المحاصصات، هي “منشآت النفط في طرابلس والزهراني”. بدأت استباحة القوانين المنظّمة لعمل المنشآت في العام 2002 بعد شغور منصب مدير عام النفط الذي استمر حتى العام 2014. منذ ذلك الوقت تعمل المنشآت من دون رقابة مباشرة بل شكلية من ديوان المحاسبة “موافقة مؤخّرة”، وذلك يعني أن المناقصات كافة التي تقوم بها اللجنة استنسابية وغامضة يصعب لا بل يستحيل الاطّلاع عليها.
بتاريخ 16/08/2002، صدر قرار عن وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون بتعيين اسطفان الدويهي (النائب الحالي) رئيساً للّجنة المنوطة بها مهامّ وصلاحيات المدير العام لمنشآت طرابلس والزهراني (صدر قرار آخر بتعيينه رئيس لجنة).
لكن، وعندما قرّر الدويهي الترشّح الى الانتخابات النيابية وبتاريخ 26/10/2004، أصدر الوزير موريس الصحناوي قراراً آخر يقضي بتعيين لجنة ادارة منشآت النفط برئاسة سركيس حليس، وكل من علي يوسف واسحق الياس نائبَي رئيس، وعضويّة أحمد بلوط ومعن حامدي، وأُعطي رئيس اللجنة صلاحية التوقيع بصفته مديراً عاماً علماً أن تعيينه كان بقرار وزير كرئيس لجنة وليس بمرسوم من مجلس الوزراء وبالتالي ليس مديراً عاماً اصيلاً.
نصّ القرار عينه على أن حسابات منشآت طرابلس والزهراني كافة تُحرّك بتوقيع وزير الطاقة والمياه. أما الحساب المفتوح لدى فرع مصرف لبنان في طرابلس فيتم تحريكه بتوقع المدير العام المعاون ومدير المالية في منشآت طرابلس مجتمعَين وفي حال غياب أحدهما، يُعطى المدير حقّ التوقيع بدلاً من الشخص المتغيّب. أما في حال غياب مدير المصب فيُعطى مدير المصفاة حقّ التوقيع بدلاً منه.
لكن وبالعودة الى القوانين، ينصّ المرسوم الاشتراعي رقم 79 الصادر عام 1977 (لتحديد الأصول المالية والاقتصادية والتنظيمية لمنشآت النفط على الأراضي اللبنانية)، في مادّته الرابعة على أنه “وخلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، تمارِس وزارة الصناعة والنفط – المديرية العامة للنفط وبصورة موقّتة ووفق الأصول المعمول بها في التجارة والصناعة، إدارة المنشآت النفطية على الأراضي اللبنانية وإدارة جميع القضايا المالية والاقتصادية والتنظيمية المتعلّقة بها، وجميع صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد مشتقّات النفط الخام وذلك الى ان تنشأ الأجهزة المختصة لهذه الغاية”. إستندت هذه المادة الى مرسوم المديرية العامة للنفط الموكلة إدارة هذا المرفق لتأمين حاجات السوق المحلية بالمحروقات. ذلك يعني أنّ المرسوم المذكور يضع المنشآت تحت رقابة المديرية العامة للنفط التي يشكّل مديرها رأس الهرم الإداري لاعتباره موظفاً رسمياً خاضعاً للرقابة والمساءلة.
“المؤخّرة”… للتسريع!
عن الموضوع يوضح مرجع قانوني أنّ “قانون المحاسبة العمومية يُفرض على الادارات أي الوزارات. أما المؤسسات العامة، فليست كلها خاضعة لأصول أحكام المحاسبة العمومية مُسبقاً. أما في ما خصّ المنشآت النفطية التابعة للمديرية العامة للنفط وبما أنها تحتاج الى سرعة لاتخاذ القرارات، ولاعتبارها مرفقاً تجارياً وصناعياً، فتمّ تحريرها من قيود الرقابة المسبقة وقيود ديوان المحاسبة لتبقى خاضعة للرقابة المؤخّرة. وهنا، فإنّ المرسوم بحاجة الى تعديل بحيث تعود صلاحية إجراء المناقصات الى إدارة المناقصات دون سواها لا سيما وأن تطبيق المرسوم كان خاضعاً للارادة السياسية فتارة يكون منصب المدير العام شاغراً لأسباب طائفية تابعة لـ”سيستام” المحاصصات، وتارة أخرى يقوم رئيس اللجنة بتخطي المدير العام من دون أن تتم محاسبته”.
وهكذا، يتمّ التذرّع، فتقوم المنشآت بإجراء مناقصات لشراء المحروقات مستندة الى المرسوم 79/77 والتي كان يُشرف عليها وزير الطاقة لشغور موقع مدير عام النفط علماً أن صلاحيّة إعداد مشاريع دفاتر الشروط الى الادارة المختصة عملاً بالمادة 11 محاسبة قانونية، تعود للمديرية العامة للنفط الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.
“رغم تعيين مدير عام أصيل للنفط، تستمرّ المنشآت بإدارة أعمالها من دون اطلاع المديرية العامة على أي تفصيل، علماً ان هناك ميزانية سنوية تصرف من ضمن الموازنة العامة للمديرية العامة للنفط لتطوير المنشآت وتصرفها المنشآت من دون أي توقيع من المديرية حيث يقوم الوزير بالتوقيع عليها. ليست هذه الإدارة قانونية . بل انها مبنيّة على باطل. وكل ما يُبنى على باطل هو ساقط قانوناً. الى ذلك، ليست المديرية العامة للنفط من يُدير المنشآت، بل ان رئيس لجنة المنشآت يدّعي انه مدير عام علماً ان تعيينه كان بقرار وزير وليس بمرسوم وبالتالي فهو ليس مديراً عاماً اصيلاً” يقول مصدر مطّلع. ويضيف: “إنّ اللجنة التي كانت تُدير المنشآت مؤلفة من 5 أشخاص 4 منهم تقاعدوا، ومن ثمّ، تحديداً في العام 2017 تمّ التعاقد مع شخص جديد لإدارة منشآت النفط في الزهراني، وهو زياد الزين المسؤول السابق لإقليم بيروت في حركة أمل. ذلك يعني أنّ اللجنة الحالية فاقدة للنصاب القانوني. ورغم عدم أهليّة اللجنة القانونية، قامت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني في خلال الأيام الاخيرة قبل تشكيل الحكومة الجديدة بتكليف رئيس لجنة منشآت النفط بالتفاوض مع مصر لاستيراد الغاز منها، ضاربة بالأنظمة العامة عرض الحائط حيث لا يتمتع رئيس اللجنة بأية صفة رسمية لتمثيل الدولة”.
ضياع شامل
أين موازنة المنشآت وقطْع الحساب وكيف يتم تحريك الحسابات، كيف تعمل اللجنة، وكيف تقوم بالاستيراد، ومن يحاسبها وكيف تتم مساءلتها، والأهم كيف تتم مراقبتها لتفادي أي إشكال قانوني؟ أسئلة كلّها في عهدة المدّعي العام المالي. فهنا تبدأ الحكاية. حكاية مرفق حيوي يُدار خارج القوانين والإدارة والرقابة يعني خارج أي محاسبة. بحيث يتم استخدام النص القانوني لإجراء مناقصات هي في الواقع مُخالفة لنص المادة الرابعة للمرسوم والتي حصرها فقط لاستيراد المشتقات النفطية الخام.لا تبدو كلّ هذه المخالفات كافية! وعليه، جسّدت منشآت النفط في طرابلس سابقة لم تسجّلها أي ادارة عامة. حيث لا تزال أراضي المنشآت مسجّلة تحت اسم شركة نفط العراق، وبالتالي لا يمكن التصرّف فيها الا في حال قيدها رسمياً تحت ملكية الدولة اللبنانية. ذلك يعني أن صفقة “روسنفت” (Rosneft) باطلة هي الأخرى. الى ذلك، تمّ توقيع العقد مع الشركة الروسية تحت ما يُسمّى منشآت النفط في لبنان. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أن ليس هناك ادارة مستقلّة للمنشآت تحت ما يسمى منشآت النفط في لبنان. بل ان هذا الامر مجرّد بدعة غير قانونية حيث ان انشاء اي ادارة بحاجة الى مرسوم وهذا لم يحدث (بحسب رأي هيئة التشريع والاستشارات صادر في العام 2014).
في العام 2014، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية – مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لها، المدير التنفيذي لـ”روسنفت” ايغور سيشين على اللائحة السوداء لكن من دون أن تدرج معه الشركة الروسية. من وجهة نظر “أوفاك”، لا يمكن التعامل مع “روسنفت” فمن شأن ذلك أن يُشجّع أعمالاً مشبوهة ، ولما في ذلك من انتهاك لمعايير وقوانين الخزانة الاميركية، تماماً كما حاولت “أوفاك” مقاضاة شركة “إكسون” لتعاملها مع “روسنفت”. ورغم أنّ المحكمة البدائية في الولايات المتحدة قد أصدرت حكماً لصالح “إكسون” التي اعتبرت أنها لم تقم بمخالفة معايير “أوفاك” بما أن “روسنفت” غير معاقبة (حتى الساعة)، الا أن الخزانة الاميركية وبحسب المعلومات المنشورة في 23 كانون الثاني 2020، تنوي استئناف الحكم. تتشابه قضية “اكسون” مع قضية لبنان الذي أبرم عقداً مع “روسنفت” تمّ بموجبه تسليم منشآت طرابلس والزهراني (أرضاً ومنشآت ومعدات) ولمدة 20 عاماً بشروط غامضة وغير معلن عنها، في حين أن العقد المبرم يجب أن يكون بمتناول الجمهور كونه عملاً ادارياً يمنح امتيازاً على مرفق عام تابع للدولة.
هذه المخالفة من خلال التوقيع مع شركة قد تُدرج على اللائحة السوداء الاميركية وغيرها من المخالفات لأنظمة “أوفاك” كقيام المنشآت ببيع النفط الى سوريا، تُشكّل ضرباً ليس فقط للقوانين اللبنانية ولكن أيضاً لتلك الدولية، ما يجعل لبنان عرضة للعقوبات الأميركية والأوروبية على السواء.
في ظلّ كلّ هذه المخالفات، يزداد التخوّف من استمرار الوزير الجديد باتّباع نهج أسلافه لا سيّما أولئك الذين سبقوه من الخط السياسي الذي يمثّله، في التخبّط في ملفات الفساد بدلاً من فرْض القانون على القريب والبعيد لاسترداد هذا المرفق الى كنف الدولة.