تحت المجهر

أمام لبنان مرحلة قاسية، إلى أن يدرك اللبنانيون أنه لم يعد من ملجأ أمامهم إلا أنفسهم،

أعلن الدكتور حسان دياب تشكيلته الحكومية، وحاول التلاعب بالكلمات ليقول إنها حكومة مستقلين وخبراء، لكن نظرة سريعة على أسماء الوزراء وسيرهم الذاتية تُثبت أنها حكومة الأسد وإيران في لبنان، كيف لا، وقد كان الناطق الرسمي باسم هذه الحكومة قبل الإعلان عنها هو النائب اللواء جميل السيد، أحد أبرز رجالات الأسد في لبنان والمتهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وإن كان قد تأخر الإعلان عن تشكيل الحكومة أسابيع بسبب التنافس على الحصص ضمن الفريق الواحد، أي فريق قوى الثامن من آذار كما هو معلن، إلا أن الإعلان عنها كان ينتظر أن تحسم إيران خياراتها في لبنان والمنطقة بعد مقتل سليماني، ويبدو أنها اختارت سياسة حافة الهاوية.

لبنان الذي يرزح تحت وطأة وضع اقتصادي صعب جدًا، يبدو أنه خسر أي فرصة جدية بمساعدة دولية وعربية.
وهكذا تم الانتهاء رسميًا من تسليم لبنان الرسمي بالكامل إلى المحور الإيراني السوري، فرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والغالبية النيابية كما سبق وصرح قاسم سليماني، واليوم الحكومة بأكملها، جميعهم يدورون في الفلك الإيراني الأسدي.

فبعيد الانتخابات النيابية الأخيرة، في عام 2018. قال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني إن «حزب الله» و«لأول مرة فاز بـ74 مقعدا من مجموع 128 مقعدا في البرلمان اللبناني»، وأوضح سليماني، أنه بهذه النتيجة فإن «حزب الله» تحول من «حزب مقاومة إلى حكومة مقاومة في لبنان». واليوم وبعد أسابيع على مقتل سليماني، تشكلت حكومته بحق.

منذ اندلاع انتفاضة الاستقلال الثاني، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، لم يترك «حزب الله» ومعه الأسد فرصة إلا واستغلوها لإعادة ما خسروه في ذلك اليوم. إلا أن الفريق الآخر أي فريق ما كان يعرف بقوى 14 آذار قدم أيضا الكثير من التنازلات، مرة باسم العيش المشترك، ومرة باسم التطورات الإقليمية والدولية، ومرات تحت التهديد بسطوة السلاح، سلاح حزب الله وقمصانه السود. أما أسوأ ما قامت به هذه القوى فهو نهجها الكيدي بين بعضها البعض، واليوم يدفع لبنان الثمن، وسيدفع المزيد.

لقد صار لبنان متماهيًا بالكامل مع إيران المحاصرة سياسيا واقتصاديا، ومع الأسد المختبئ في قصره والذي يتم استدعاؤه في قلب عاصمته دمشق ليلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القاعدة العسكرية الروسية. وسيعيش عزلة شبيهة بتلك التي تعيشها إيران والأسد. ومن راهن أن حزب الله لن يقبل بأن يحكم منفردًا، وأنه بحاجة لغطاء أو أنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية انهيار لبنان ماديا واقتصاديا، خسر الرهان، فمجددا لبنان بالنسبة لحزب الله وسيلة لتحقيق المشروع الإيراني في المنطقة، ولن يرضى بسياسة لي الذراع لحماية البلد.

واليوم واهم من يظن أن الدول العربية ستهرع لإنقاذ لبنان من الانهيار، فالعرب مشغولون داخل حدودهم، ومشغولون بالخطر الإيراني على حدودهم، وهم لا يرون في لبنان إلا حزب الله وعداءه لهم. ومن ينتظر أن تتفرغ الإدارة الأميركية لمساعدة لبنان بتجاوز أزماته المتكررة، فهو أيضًا حالم.

أمام لبنان مرحلة قاسية، إلى أن يدرك اللبنانيون أنه لم يعد من ملجأ أمامهم إلا أنفسهم، وليس أمام المنتفضين إلا ترتيب صفوفهم، وخصوصا أن ساحاتهم ستفرغ من مناصري السلطة الحقيقية، أي حزب الله وشركاءه، ولكنها قد تمتلئ بمتضررين، مما سينتج عن حكومة حزب الله من أوضاع مأساوية. ولن يتحقق لبنان الذي يحلم به المنتفضون، ما لم تفرض الدولة سلطتها على كافة أراضي لبنان، ويتم حصر السلاح بالجيش والقوى الأمنية.

إلى ذلك الحين، أعان الله لبنان مما ينتظره، ومن انتقام بشار الأسد وحلفائه، وإعادة استخدام لبنان ساحة لإيصال الرسائل في جميع الاتجاهات بينما هو يفاوض.

المصدر : المجلة

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button