ما يمكن توقعه من حكومة لبنانية جديدة: “مكافحة الفساد” يشبه مطاردة ساحرة
ترجمة صوفي شماس
جيفري فيلتمان، السبت 25 كانون الثاني، 2020
إلى جانب الاقتصاد اللبناني المنهار، تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة الموالية لسوريا ولحزب الله مشكلة. الرئيس ميشيل عون والقوى السياسية خلف الحكومة الجديدة يستمتعون بفرصة إطلاق العنان أخيرا لنفوذ الدولة ضد خصومهم السياسيين المؤيدين للغرب.
لكن المتظاهرين الغاضبين والمواطنين اليائسين على نحو متزايد يتوقعون أن يعالج أخصامهم (أو حتى مناهضيهم) مطالبهم السياسية والاقتصادية. ردا على ذلك، وكأول عمل لها، ستعلن الحكومة الجديدة عن حملة شرسة لمكافحة الفساد، تهدف إلى تهدئة الشوارع بعد 100 يوم من الاحتجاجات. في النهاية، يتم الاعتراف على نطاق واسع بأن الفساد الشامل مستوطن لدى جميع الأطياف السياسية تقريبا في لبنان، وتغذيه عقود من الرعاية الطائفية للمحسوبيات وانعدام الشفافية.
يمكن لمحاربة الفساد من الناحية النظرية أن توفر الدعم الشعبي لحكومة جديدة مشكوك فيها. ولكن في الممارسة العملية، سيتم تصميم شعارات مكافحة الفساد في هذه الحكومة لحجب مطاردة ساحرة قبيحة.
مهزلة مكافحة الفساد
إن صرخة الاحتجاج اللبنانية في كل مكان – “كلن يعني كلن” – التي تطالب بطرد الحرس القديم بأكمله من المناصب الوزارية – يجب أن تحدد أيضا من سيواجه التحقيق في الفساد. لكن أجندة الحكومة الجديدة لمكافحة الفساد ستكون انتقائية، إذ أنه سيكون بمثابة عقاب انتقامي ضد الشخصيات السياسية اللبنانية التي كانت لديها جرأة للوقوف في وجه أو تمثيل وجهة نظر بديلة لرؤية عون وحزب الله ودمشق المناهضة للغرب للبنان الذي يجسده مجلس الوزراء القادم.
سيتم استهداف رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، وزعيم الدروز وليد جنبلاط وحلفائهم. أما وزير الخارجية المنتهية ولايته جبران باسيل ورفاقه ورئيس البرلمان نبيه بري وآخرين مرتبطون بمحور عون – حزب الله – دمشق – لن يخضعوا للتحقيق. لن ينظر أي أحد جدّيا في صفقات الوقود والكهرباء الضبابية التي تفاوض عليها وزراء من التيّار الوطني الحر التابع لعون وباسيل. ولن يضطر حزب الله إلى دفع الضرائب على أنشطته الاقتصادية الواسعة أو فتح ملفاته المتعلقة بنظام الاتصالات السلكية واللاسلكية السرّي وعمليات التهريب.
هناك تاريخ وراء هذا. منذ عودته إلى لبنان في 7 أيار، 2005 ، بعد أكثر من 14 عاما في منفاه الحزين في فرنسا، كشف ميشال عون عن نيته في استخدام تهم الفساد لتحقيق أهداف حزبية. انسحبت قوات الاحتلال السورية من لبنان بعد ان أجبرها على الخروج مزيج من الضغط الخارجي والمظاهرات الداخلية الضخمة التي أثارها اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 شباط 2005. رأى عون أن الحريري بموته، أنجز ما فشلت 14 سنة من نوبات غضبه في فرنسا في إنجازه: طرد قوات الاحتلال السورية.
متجاهلا الملصقات العملاقة للحريري التي تصطف في شوارع بيروت، ومتحدّيا العرف السائد في ذلك الوقت المتمثل في وضع إكليل من الزهور على قبر الحريري للاعتراف بتأثير وفاته في توحيد معظم لبنان ضد الاحتلال السوري، لم يستخدم عون خطابه الأول في الوطن لإدانة قتلة الحريري أو للإشادة برحيل القوات السورية، إنما لمهاجمة الفساد. كان هذا اختصارا، كما اعترف الجميع في ذلك الوقت، لاعتزامه ملاحقة عائلة الحريري وجنبلاط لعدم احتضان عون كمنقذ للبنان.
من جانبه، برهن باسيل (صهر عون ووريثه السياسي المفترض) مؤخرا عن عماه بشأن تدابير حقيقية لمكافحة الفساد في المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام. بعد الضغط الذي مارسته عليه الصحافية هادلي غامبل من قناة “سي إن بي سي” بسؤاله عن كيفية تغطية وزير سابق في بلد مفلس تكلفة السفر بطائرة خاصة إلى دافوس، حاول باسيل تقديم عدة تفسيرات قبل أن يتذمر في النهاية ويتحدث عن أصدقاء مجهولين كرماء. أمام مراوغة باسيل الواضحة، سخرت غامبل ووزير التجارة الخارجية والتنمية الهولندية سيغريد كاغ (التي كانت تشغل سابقا منصب منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان) كيف أن أرباب عملهما لا يسمحون بأن يكون لديهما مثل هؤلاء الأصدقاء المجهولين. مع تأمين باسيل مناصب وزارية لأتباع حزبه وحلفائه، وطالما هو على رأس كتلة لديها الأغلبية البرلمانية، فإن الحاجة إلى الشفافية الكاملة سوف تنطبق على الآخرين، وليس عليه.