خامنئي قطع الطريق على تحيد لبنان
يكاد لا يمر يوم يأمل فيه بعض الأوساط السياسية اللبنانية بإمكان تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، لا سيما المرحلة التي بلغتها المواجهة الأميركية – الإيرانية بعد اغتيال قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، إلا وتبرز مواقف من هذه الجهة أو تلك، لتخذل هذه الآمال.
عون وآمال التحييد
ويقول أحد النواب اللبنانيين المقربين من الرئيس عون لـ “اندبندنت عربية”، إن خطاب الأخير أمام السلك الدبلوماسي الأجنبي في لبنان، في 14 يناير (كانون الثاني)، الذي دافع فيه عن سياسته في السنوات الماضية مبرراً عدم النجاح في تحقيق الإصلاحات، تناول بطريقة لافتة تحييد لبنان لشعوره بأن هذا العنوان جوهري بالنسبة إلى جهود إخراجه من الأزمة الاقتصادية. فالرئيس اللبناني أكد “تمسّكنا بالقرار 1701 وبالقرارات الدولية والشرعية الدولية وبمبدأ تحييد لبنان عن مشاكل المنطقة وإبعاده عن محاورها لإبعاد نيرانها عنه من دون التفريط بقوة لبنان وحقه في المقاومة، وقيام استراتيجية دفاعية تعزّز هذه الفرصة بالتفاهم بين كل اللبنانيين”.
ويأتي حديث عون عن تحييد لبنان مخالفاً لسياسة اتبعت في السنتين الماضيتين من قبل صهره وزير الخارجية جبران باسيل بالتماهي مع محور الممانعة، وآخرها إدانته اغتيال سليماني، وامتناعه عن التعليق على خرق إيران السيادة العراقية بقصفها قاعدة عين الأسد لاستهداف الجيش الأميركي. وهي سياسة تسببت لسنوات بمواقف سلبية من دول الخليج حيال لبنان، ونصائح أميركية حازمة لباسيل بـ “الابتعاد عن حزب الله”.
ويعتبر النائب المقرب من عون أن الأخير يتمتع بعلاقة وثيقة مع “حزب الله” تمكنه من التوصل إلى رؤية مشتركة مع الحزب لتحييد لبنان. ويأمل بأن ينجح عون في ذلك، لأن البلد لا يحتمل بعد الآن أخذه إلى مغامرات مدمرة. وهناك مراهنة لدى بعض الفرقاء الساعين إلى تأليف الحكومة الجديدة، على أن يبدي نصر الله بعض الانكفاء في الانحياز إلى طهران كي تتمكن الحكومة التي يجري العمل على تأليفها من جذب المساعدات الخارجية لمواجهة أزمته المستفحلة.
إلا أن كلام عون جاء غداة تكرار نصر الله في 12 يناير في خطاب له بذكرى أسبوع مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس تهديده الإدارة الأميركية بأن “الأيام ستكشف بالدم أن العالم بعد اغتيال سليماني سيكون عالماً آخر، لا أمان فيه لهؤلاء الطغاة”. وأكد نصر الله أن إخراج القوات الأميركية من المنطقة “قرار قاطع وحاسم في محور المقاومة والمسألة مسألة وقت، ولن يحصل أي تهاون فيها”.
بين نصر الله والسيستاني
وبلغت حدة نصر الله في الإصرار على فرقاء آخرين كي يشتركوا في تنفيذ هدف طرد الأميركيين من المنطقة، أن تسبب بمشكلة مع حكومة كردستان العراق حين انتقد موقفها بعدم الاشتراك مع سائر القوى العراقية النيابية، لا سيما الشيعية، في التصويت على توصية إلغاء اتفاقية التعاون الأمني بين بغداد وواشنطن، التي تشرع الوجود الأميركي في العراق، ما اضطر ناطق باسم حكومة الإقليم الكردي أن يرد عليه بقسوة. هذا في وقت عادت الاحتجاجات الشعبية العراقية إلى الشارع، منددة بتدخل إيران والقوى المتحالفة معها.
كما أن نصر الله ذهب إلى حد امتداح موقف المرجعية الدينية في النجف، أي السيد علي السيستاني، حيال الوجود الأميركي. فهو دان الغارة الأميركية التي استهدفت سليماني والمهندس معتبراً إياها تعدياً على السيادة العراقية، لكنه تجاهل موقف السيستاني الذي ساوى بين العمل الأميركي وبين الرد الإيراني بقصف قاعدة عين الأسد العسكرية العراقية، التي يتواجد فيها الجيش الأميركي بصواريخ باليستية. ففي خطبة الجمعة بتاريخ 10 يناير أشار ممثل السيستاني إلى “ما وقع في الأيام الأخيرة من اعتداءات خطيرة وانتهاكات متكررة للسيادة العراقية مع ضعف ظاهر للسلطات المعنية في حماية البلد”. ودعا إلى “أن يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته”.
كما أكد السيستاني أنّ “التعامل بأسلوب المغالبة من قبل الأطراف المختلفة التي يملك كل منها جانباً من القوة والنفوذ ومحاولة كل منهم فرض رؤيته على الباقين سيؤدي إلى استحكام الأزمة، ويخرج الجميع منها خاسرين، والخسارة الأكبر من نصيب البلد وعامة الناس الذين ليس لهم دخل في الصراعات الداخلية والخارجية”.
خامنئي و”الحكومات العميلة” ولبنان
وإذا كان واضحاً توجه السيستاني نحو تحييد العراق عن المواجهة الدائرة بين طهران وواشنطن، فإن الأكثر وضوحاً أن الأولى ليست بهذا الوارد. والتماثل بين خطبة مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي وبين كلام نصر الله قبله حول دخول المنطقة مرحلة “تاريخية”، وأن الرد على مقتل سليماني في قاعدة عين الأسد “ليس عملية واحدة وإنما مسار طويل يجب أن يفضي إلى إخراج الوجود العسكري الأميركي من الشرق الأوسط”. فخامنئي شمل لبنان فيها، حين اعتبر أن “قوة القدس بقيادة سليماني ساعدت لبنان سوريا وفلسطين والعراق واليمن وجلبت الأمان لإيران ويجب النظر إلى هذه القوة على أنها منظمة إنسانية”. وتحدث باللغة العربية عن “الامتحان العسير في سوريا والفتن في لبنان والتخريب في العراق كنموذج لسياسة العدو”، واعتبر أن “أميركا تريد أن تجعل من سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة”.
الحكومة وميزان القوى والانتفاضة
ويرى مصدر سياسي بارز في بيروت أن ربط خامنئي لبنان بالمشهد الإقليمي لا بد أن ينعكس على تأليف حكومة “غير عميلة لأميركا”، وفق مفهومه. فالحكومة العتيدة برئاسة حسان دياب بدأ الحديث عن وجوب أن تكون من الاختصاصيين والمستقلين، ثم انتهت إلى حكومة قام فريق واحد من أطراف السلطة بتسمية وزرائها، فيما خرج أطراف الفريق الرافض لنفوذ طهران منها، أي قوى 14 مارس (آذار) السابقة (المستقبل، القوات اللبنانية، التقدمي الاشتراكي والكتائب). وإذ يرى المصدر إياه أن تأليف الحكومة يأخذ بميزان القوى الراهن الراجح لمصلحة “حزب الله” وحلفائه، ومن دون أن يحتسب ما أضافته الانتفاضة الشعبية كعامل جديد على المسرح السياسي، طالما يلتقي أحزاب في السلطة مع خامنئي في اعتبارها “فتنة” و”تخريباً” في العراق على الرغم من أن السيستاني أيد الاحتجاجات فيه.
ويعتبر المصدر السياسي نفسه أن الخلافات بين أطراف الفريق الواحد على الحصص في التركيبة التي يطبخها هؤلاء لا تغير واقع أنها من فريق واحد، يسعى “حزب الله” إلى التوفيق بين مطالب أطرافه. بينما كان المخرج هو قيام حكومة مستقلين فعلاً، بدل عودة أحزاب السلطة إلى تقاسم الحقائب الوزارية تحت قبعة وزراء تكنوقراط ومستشارين لأقطاب في الحكم.
إلا أن إهمال مطالبة الانتفاضة اللبنانية بالمستقلين سيلقى رد فعل كالذي شهده لبنان خلال الأسبوع الماضي في الشارع من اعتراضات، وسط معلومات تفيد بأن مجموعات الانتفاضة ستحول دون وصول النواب إلى البرلمان للتصويت على الثقة بها وببرنامجها الوزاري، إذا أعلنت مراسيم حكومة دياب بالشكل الذي يتم التحضير له.
لكن شبه المؤكد أن المجتمع الدولي لن يتعاطى مع الحكومة على أنها تضمن تحييد لبنان، خصوصاً أنه يراقب رفض الانتفاضة لطريقة تأليفها ولتناتش المواقع بين فرقائها.
المصدر : اندبندنت