حكومة خامنئي اللبنانية والحفر في الهوّة
فارس خشان – الحرة
في الطب، ثمة أدوية لا بد منها لمعالجة مشكلة صحية يعاني منها المريض، لكن الأطباء يمتنعون عن وصف هذه الأدوية له، لأسباب متعددة من بينها عدم قدرته على تحمّل عوارضها الجانبية المحتملة والحساسية التي قد تتسبب بها بعض مكونات هذه الأدوية.
وكما في الطب، كذلك في لبنان حاليا، فالدواء الذي يجمع “الأطباء” على صفه، هو تشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها التصدي للانهيار المالي والاقتصادي والحياتي ومعالجة أسباب الغضب التي أطلقت ثورة 17 أكتوبر.
ولكن الجميع خائف من التأثيرات السلبية لهذا الدواء على حاضر لبنان ومستقبله، نظرا للحساسيات الكثيرة التي ستتسبب بها مكوناته، ذلك أن صنّاع الحكومة العتيدة لا ينظرون الى المأزق اللبناني بل يهتمون بالمأزق الإيراني ويعملون، بتوجيهات “حزب الله”، من أجل تشكيل حكومة تنصاع لما فرضه مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي في أحدث خطبة له، إذ قال إن “أميركا تريد أن تجعل سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة”.
وهذا يعني أن الحكومة اللبنانية العتيدة يجب أن تكون من عدّة المواجهة الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية وليس أداة حل للمشاكل اللبنانية التي تفاقمت.
ويعرف جميع المعنيين في لبنان، يتقدمهم أولئك الذين يقدمون المصلحة الإيرانية على أي مصلحة وطنية، أن حكومة، وفق المواصفات الخامنئية، هي حكومة ستعمّق هوة الكارثة التي وقع فيها لبنان وشعبه، لأن البلاد بحاجة الى مساعدات خارجية كبيرة وعاجلة كما هي بحاجة إلى ضخ ثقة داخلية صلبة بالسلطة التنفيذية.
ويستحيل أن تتمكن حكومة “اجتثاث أميركا” من أن تؤدي وظائفها، حتى بالحد الأدنى، لا بل فإن هكذا حكومات، كما بيّنت التجارب، ومنها التجربة الفنزويلية على سبيل المثال لا الحصر، تُسقط دولا لا تعاني سوى من مشكلات كلاسيكية وتتمتع، خلافا للبنان، بثراء كبير.
وعقلية تثبيت لبنان في “المحور الإيراني” حيث “بات حزب الله يده وعينه بمساعدة قاسم سليماني” كما قال خامنئي في الخطبة الأخيرة نفسها، أوقعت الحكومتين اللبنانيتين الأخيرتين اللتين ترأسهما سعد الحريري في الفشل ودفعت بلبنان إلى الهاوية، على الرغم من أنهما كانتا حكومتي “وحدة وطنية”، وتتمتعان بالقدرة على إيصال الصوت إلى المجتمع الدولي، وفي ظل الأولى منهما انعقد مؤتمر “سيدر” في باريس، ووفّر وعودا بما يفوق الـ 11 مليار دولار أميركي لمساعدة الاقتصاد اللبناني.
إن إدراك الفشل الحتمي لأي حكومة تندرج في إطار تثبيت لبنان في “المحور الإيراني” قبل أي سبب آخر، (هذا الإدراك) هو الذي دفع بالحريري وقبله برئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، إلى الاستقالة من الحكومة التي تصرّف الأعمال حاليا، والإصرار على تشكيل حكومة جديدة تضم خبراء مستقلين ونزيهين، أي حكومة غير مكوّنة بعقلية “التمحور الإقليمي” الذي يجعل لبنان مجرد واجهة في حروب الآخرين.
وإذا كانت حكومتا “الوحدة الوطنية” قد خارتا تحت عبء “الأهداف الإيرانية” وقادتا إلى ثورة اجتماعية غير مسبوقة، فماذا تستطيع، والحالة هذه، أن تفعله حكومة “اجتثاث أميركا”؟
لا شيء أبدا. إن التعتيم على الفشل بفرض ظلال فشل جديد، لا يحل المشكلة، ولبنان أصبح أفقر من أن يتمكن من دفع الكلفة الغالية جدا “شراء” للوقت.
وهذا يدركه المدعوون إلى توفير ظروف ولادة الحكومة الجديدة، ولذلك فهم يرفعون أثمانهم إلى حدّها الأقصى، فيما يقبل طبّاخوها بأن ترتفع الحواجز المعرقلة، كلّما قيل إن ولادتها أصبحت وشيكة.
ومهما كان صوت خامنئي مؤثرا في لبنان ربطا بالدور الطاغي الذي يلعبه “حزب الله”، إلا أنه لا يمكن أن يطغى على الأصوات الدولية، وكان آخرها صوت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، بعد صوت وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان.
ويقف المسؤولون اللبنانيون صامتين أمام ما يتلقوه من لوم وتوبيخ و”بهدلة”، بسبب ما يقوله هؤلاء عن لهوهم وقصورهم وعدم فهمهم للأولويات الواجبة في تشكيل الحكومة الجديدة، في حين أن الحرائق المالية والاقتصادية والاجتماعية، تنتشر بسرعة الحرائق التي أتت على الغابات الأسترالية.
ولكن، في ضوء أمر خامنئي فإن اللهو يبقى أفضل الخيارات، لأن آخر مخرج للطبقة السياسية الممسكة بالقرار السياسي هو الحكومة، ولكن إذا كانت الحكومة التي سوف تتشكل، كما بات واضحا، من أقنعة تخفي الوجوه السياسية للفريق المتمحور مع إيران، فإن هذا سيكون أسوأ المخارج وأخطرها على الإطلاق.
إن “حكومة الأقنعة”، بالفشل المدوي التي ينتظرها، سوف تتسبب بخسائر لا تعوّض ليس للبنان فحسب بل للمنظومة التي سوف تشكلها، وفي مقدم هؤلاء “حزب الله” الذي يقف عائقا كبيرا أمام التغييرات الجذرية التي يطالب بها “ثوّار 17 أكتوبر”، وهي تغييرات تطال وظيفة لبنان الإقليمية كما تطال الفساد المحمي سياسيا.
حكومتا “الوحدة الوطنية” خارتا تحت عبء “الأهداف الإيرانية”
بعد كل تشخيص تحليلي للواقع اللبناني، ثمة من يذهب إلى أبعد ويسأل عن الحل، وكأنّ هذا الحل غير متوافر ويحتاج إلى سحرة مبدعين!
الحل موجود في حكومة كفاءات تستطيع أن تنجز ملفاتها بفاعلية، وخبرات تدرك أبعاد القرارات التي تتخذها، واستقلالية تبعد لبنان عن أجندات التمحور الإقليمي.
الحل يتجسّد في نقل لبنان من مجرد واجهة في الصراعات التي تقودها إيران إلى دولة تستحق هذه التسمية، حيث المؤسسات مؤسسات والقضاء قضاء والحكومة حكومة.
الحل يكون باعتماد لغة لبنانية يفهمها المجتمع الدولي وليس لغة تحتاج إلى مترجم محلّف، كالقول بالنأي بالنفس، فيما “حزب الله” المشارك في الحكومة، يخوض المعارك في سوريا والعراق واليمن وغيرها، تحت راية “فيلق القدس”.
وحتى تحين ساعة فرض الحل، وفي انتظار ولادة “حكومة اجتثاث أميركا” وفشلها المدوي، تبقى العين على الشارع و…الثورة.