السلطة وقميص عثمان المزيف (بقلم عمر سعيد)
تسقط السلطة عندما تصبح عاجزة عن إنتاج أخلاقيات الحكم ..
ففي السياسة ليس كل شيء مبرراً كما يروج عامة الناس..
لأن السياسة في الأصل مهمتها إنتاج الأوطان والمجتمعات ، وتطورها ، ورفاهيتها .
فلا يمكن ليد ان ترفع شارة النصر وقد غرست اقدامها بجثث الأبرياء ..
وإن كان الحق للقوة كما ادعى هولاكو ، فالقوة مصدرها هويتها التاريخية ؛ التي ستخضع للمحاكمات جيلاً بعد جيل ، وليس مصدرها كمّ السلاح وحجم الدمار الذي يخلفه..
لأن القوة الباطلة والغشيمة لا تحقق الانتماء ، ولا تنجز الهوية الإنسانية لصانعيها ، ولا تضمن السعادة لشعوبها.
فالشرط الأول لاستحقاق الهوية الإنسانية هو القيم الفردية والمجتمعية ، وليس القوة القاهرة التي تمكن القادة الموتورين من قهر الشعوب ..
والتنصل من المسؤوليات الأخلاقية أمام الهزائم الإنجازية مرده إلى تردي القيم والأخلاق عند عناصر السلطة مجتمعة ومنفردة ..
في مثل هذه الحالات يصبح على السلطة أن تواجه سؤال : هل نحن جديرون بالسلطة ؟!
لأن النصر الذي يكون على حساب الهزائم الأخلاقية ؛ لا يحقق السعادة للمنتصرين..
فالسعادة الحقيقية تكمن في تحقيق الانتصارات الإنسانية التي تعزز قيم المجتمعات وأخلاقها لصالح مستقبل البشرية .
و الهوية الخاصة لأي مجتمع ما عادت تكفي لتحقيق الطمأنينة والمستقبل المطلوب لبقائه ،
ومعارك المصير التي نفرضها على أنفسنا ما عادت مجدية للبقائنا ..
فلقد حقق العديد من الدول استقلاله عن عدوه الخارجي ، لكن الأمر لم يتعد أكثر من انفصال رمزي عن المستعمر ..
ليثبت الزمن أن لا قيمة اخلاقية لذلك الانفصال ، إذ سقطت أخلاقياً سلطات تلك الدول المستقلة ، مخلفة وراءها شعوباً تندب قيم المستعمر الذي رحل ، وقد تركها وحيدة تواجه حكاماً جزارين .
الأمر الذي هزم جوهر الإنسان والدين والدولة في تلك المجتمعات .
والسقوط الأخلاقي لسلطة ما ، ينبع من التزييف الذي تُنشىء عليه تلك السطة شعبها و لفترة طويلة ..
إذ يعوّل هذا الشعب خلال فترة تنشئته على سلطته و هويتها الوطنية أكثر مما تحتمل الحقيقة ، ليجد نفسه وقد استفاق على حقيقة أنه بلا مستقبل وبلا أمل .
فلا يمكن أن يصبح القادة المزيفون وطنيين فجأة ، لأن الوطنية تعني ببساطة أن يكون القائد جاهزاً لاقامة دولة القانون ، لا دولة الهوية التي يجعل منها قميص عثمان المزيف ، يبرر بها كل تجاوزاته التي تتيح له البقاء في السلطة طويلاً .
وما هدف مثل هذا النوع من السلطات إلا الانتصار على معارك المجتمعات المدنية لصالح معارك الطائفية والمذهبية ، من خلال اختراعها ما يسمى بالعدو الميتافيزيقي ، كالحرص على الهوية والمقدس ودرأ المؤامرات الوهمية .
شعوب هذه السلطات بلا حول لتقرر مصيرها، لأنها في الواقع بلا مصير .
فهل ستمتلك هذه الشعوب جرأة المراجعة والنقد وتكذيب كل ادعاءات تلك السلطات ؟!
وهل ستعي أهمية تمزيق قميص عثمان ، وكشف كل الزيف الذي تغطى بدمه ؟!
عمر سعيد