خلاصة العهد الباسيلي: عجز مؤسسة الكهرباء 40 مليار دولار
كتب خضر حسان بتاريخ 22/11/2019 في جريدة المدن
…. يوضح مسار العجز في مؤسسة كهرباء لبنان أن قيمة العجز تتصاعد. لكن المستغرب هو حجم التصاعد الذي يُتوقع أن يصل ضمنه العجز إلى 40 مليار دولار في العام 2020، في حين سجّل العجز 13 مليار دولار في العام 2010. وللتذكير، كان عجز المؤسسة 1.2 مليار دولار فقط في العام 1990 بعد انتهاء الحرب الأهلية.
تسجيل المؤسسة لعجز بهذا القدر، يعني أن مسار ماليتها يدل على أن نفقاتها أكثر بكثير من إيراداتها. ولكن، يؤكد عضو مجلس إدارة المؤسسة سابقاً، والاستشاري السابق، منير يحيى، أن “مجموع أكلاف المؤسسة تتراوح بين 150 و200 مليون دولار سنوياً، فيما تجبي بين 650 و750 مليون دولار، تذهب إلى المصارف الخاصة وليس إلى الدولة. علماً أن الدولة تدفع ثمن النفط الذي تحتاجه المؤسسة والبالغ 1.2 مليار دولار سنوياً. ومع ذلك لا يوجد أي تدقيق من قبل المؤسسة”.
وكان يمكن للمؤسسة زيادة أرباحها في حال عالجت مكامن الهدر الظاهرة والموزعة بين “هدر في قسم الانتاج بنسبة 50 بالمئة، بفعل اعتماد المعامل في دير عمار والزهراني على الديزل وليس النفط، علماً أنه كان من المفترض نقل وقود المعامل من الديزل إلى النفط، ولم يحصل ذلك. 50 بالمئة أخرى من نسبة الهدر يتسبب بها اهتراء المعامل التي يزيد عمرها عن 30 سنة.
أما في قسم التوزيع، فإن 40 بالمئة من الكهرباء الموزعة، تذهب هدراً بسبب عدم وجود عدادات تسجل كمية الصرف بين المنازل وأعمدة الكهرباء. وليس من مصلحة المستفيدين تركيب عدادات، لأن نسبة الـ40 بالمئة تشكل غطاءً لاخفاء الأموال المنهوبة، تحت حجة “الهدر في التوزيع”، وفق يحيى، الذي يشير إلى أنه “منذ نحو 16 عاماً تقوم مؤسسة الكهرباء كل ثلاث إلى أربع سنوات، بتلزيم صيانة المعامل لشركات مختلفة، تكلّف الصيانة خلال هذه الفترة نحو 450 مليون دولار. ومع الوقت اتضح أن وكيل الشركات هو شخص واحد”.
وفي السياق، لا يمكن تجاهل حقيقة أن مؤسسة الكهرباء خسرت “نحو 1.3 مليار دولار خلال 8 سنوات، كنفقات تشغيلية لبواخر الطاقة. وهذا المبلغ كافٍ لانتاج 1300 ميغا واط في المعامل الدائمة”.
أما التذرّع بأن المؤسسة تقدّم الكيلو واط بأقل من سعر كلفته للمواطن، فهو أمر ينفيه يحيى، مؤكداً أن “صرف المواطن لأول 100 كيلو واط بسعر 35 ليرة، يُضاف إليها كلفة عدّاد وكلفة تأهيل وطابع بريدي وضريبة على القيمة المضافة.. وغير ذلك، لتصبح كلفة 100 كيلو واط أكثر من 200 ليرة”. ويخلص يحيى الى أن “نحو 55 بالمئة من كلفة عجز المؤسسة، يأتي من الهدر الذي أوصل العجز إلى 40 مليار دولار”.
نية عدم الإصلاح
يمكن انقاذ وضع مؤسسة كهرباء لبنان عن طريق سلسلة من الخطوات ترتكز بشكل أساسي على تعيين مجلس إدارة وتشكيل هيئة ناظمة للقطاع. لكن الوزير جبران باسيل حين كان وزيراً للطاقة، أصر على السير في نهج مختلف، يقوم على تمهيد الطريق لاستجرار بواخر الطاقة وتجاهل كافة الطرق الاصلاحية التي تنتهي ببناء معامل دائمة تستفيد منها الدولة.
لم يُصلح باسيل ومن خَلَفَه في الوزارة وصولاً إلى وزيرة الطاقة الحالية في حكومة تصريف الأعمال ندى بستاني، شيئاً. مع التأكيد أن الخلفاء مُعيَّنون من قِبَل باسيل، ينفذون تعليماته وتنحصر مهامهم في استكمال الخطة التي أطلقها في العام 2010، والتي أسماها ورقة سياسة القطاع.
لتنفيذ تلك الورقة “أُعطيَت وزارة الطاقة في العام 2010، مليار و200 مليون دولار لزيادة الانتاج والنقل والتوزيع. وتمت الموافقة على استئجار بواخر الطاقة والموافقة على مشروع شركات مقدمي الخدمات، شرط تعيين مجلس إدارة خلال شهرين وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع خلال 3 أشهر، ولم يلتزم أحد بذلك”، وفق ما يقوله مدير عام الإستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون، الذي أحيل الى التقاعد بقرار من وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، بعد منحه إجازة إجبارية تنتهي مدتها مع إنتهاء خدمته الفعلية.
يردّ بيضون أصل المشكلة الى “تصرف وزراء الطاقة المتعاقبين، وكأن الوزارة ملكاً خاصاً لهم، وعلى هذا الأساس لم يعينوا مجلس إدارة ولم يشكلوا الهيئة الناظمة، لكي يتصرفوا في الوزارة وفق أهوائهم، التي سرعان ما انكشف مضمونها مع توالي انهيار المشاريع. وفي النتيجة، نجح مشروع البواخر في تثبيت نفسه كمشروع دائم”.
ما تعيشه المؤسسة ووزارة الطاقة من تسارع في الانهيار، لم تشهد مثيله قبل تولي التيار العوني حقيبة الطاقة. كما أن التيار جاء الى الوزارة بشعار الاصلاح والتغيير، لكن سرعان ما عبّر رئيسه عن نواياه حين اعتبر أن الوزارة “ضمانة للمسيحيين”، ومن هذا الشعار الجديد، يُفهَم مصير الطاقة، بدءاً من الكهرباء وانتهاءً بالنفط والغاز إذا ما جرى استخراجهما.