الظاهرة العونية والأخلاق… أرض قاحلة (بقلم أمين القصيفي)
شهد التاريخ اللبناني منذ القدم ظواهر اجتماعية عدة، اعتمدت وتبنَّت مفاهيم مختلفة في الدين والثقافة والسياسة والفلسفة ومنظومات القيم الإنسانية المتعددة، التي توالفت حيناً وتعارضت أحياناً إلى حد التضاد، لكنها بقيت في الغالب تحت سقوف معينة لم تتخطاها إلى الرخص والابتذال والسوقية.
لكن الظاهرة العونية تكاد تكون الوحيدة في تاريخ لبنان، على ما أمكننا بلوغه، التي شذّت عن الطبيعة اللبنانية الأصلية، الثقافية والفكرية والفلسفية والسياسية والاجتماعية والدينية.
الأسباب متعددة، لا مجال للخوض فيها الآن ولا يتسع لها المقال. لكن قد يكون أبرزها، أن الطبيعة الأساس في الظاهرة العونية أنها، في الأصل والمنشأ، ظاهرة عديمة الأخلاق والضمير، تلفظ أي قيمة حضارية إنسانية تحاول التسلل إليها، تماما كما تنبذ صحارى الملح والأرض القاحلةالصفراء أخضر الحياة.
لا نتحدث هنا عن التيار الوطني الحر، الذي ضم ويضم في صفوفه مناصرين ومناضلين حقيقيين يعتقدون بصحة موقعهم لتحقيق ما يصبون إليه من دولة فعلية تُعلي القانون والقيم، وهؤلاء لا يرضون عن الموبقات التي تُرتكب باسمهم والفجور الذي يمارس تحت رايتهم. المقصود تحديداً، الظاهرة العونية لناحية تكوينها المعتور والبعد القيمي الدوني فيه.
من هنا، لا تصح مقاربة هذه الظاهرة ودراستها والحكم عليها، انطلاقاً واستناداً إلى القواعد والآليات المعتمدة في علم السياسة فقط. أي مقاربة لها من الناحية السياسية لا تأخذ البعد الأخلاقي الشاذ في الاعتبار،، أولا، تبقى منقوصة في العدل تجاهها وإيفائها ما تستحقه من “آيات” الإنحطاط في قمة درجاته.
بذلك فقط يمكن الوصول إلى الاستنتاجات والخلاصات الصحيحة لفهم هذه الظاهرة. ولا يعود مستغربا ما يطالعنا به بعض مثقفيها وشعرائها وأدبائها وكتابها ومنظًريها وإعلاميًيها من مواقف سوقية لا أخلاقية يندى لها الجبين، من أمثال حبيب يونس وشربل خليل وسمير صفير، وكثيرون غيرهم. بل إن هؤلاء، قد يكونون الأصدق في الشهادة لحقيقة وطبيعة الظاهرة العونية الأصلية في أبهى صورها.
والسلام