تحت المجهر

الرئيس المكلَّف والجامعة الأميركية في بيروت: الزندقة السياسية

مكرم رباح – المدن

ليس غريباً على جامعة عريقة، كالجامعة الأميركية في بيروت، قدمت الكثير للبنان والعالم العربي وحتى الغربي، أن تكون ركناً أساسياً في المواجهة الحالية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحكم القانون، وأن يشارك جسمها التعليمي والطلابي في غمار ثورة السابع عشر من تشرين الأول.

ففي سنة 1945 ولدى تأسيس الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرنسيسكو، كانت الجامعة الأميركية حاضرة بقوة وممثلة بتسعة عشر خريجاً، من أصل ستة وأربعين مشاركاً في المؤتمر. خمسة من هؤلاء وقعوا على الوثيقة التأسيسية للمنظمة، التي أمِل الكثيرون بأن تكون الضامنة لتحقيق السلام وحماية الأبرياء من بطش الدول العظمى.

بطولات وهمية وحقيقية
مساء الخميس 19 كانون الأول، وبعد عملية خداع ومماطلة قامت بها الطبقة السياسية برمتها على مر أسابيع عدة، أُجريت الاستشارات النيابية الملزمة، والتي أفضت إلى تسمية وزير التربية السابق في حكومة نجيب ميقاتي، الدكتور حسان دياب، رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة المقبلة. تسمية دياب أشعلت الشارع اللبناني الذي رأى في هذه المهزلة النيابية محاولة جديدة لتدمير الثورة القائمة، وتمرير حكومة محاصصة، تحت قناع يرتديه نائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت حسان دياب.

دياب، وإضافة إلى وظيفته الإدارية في الجامعة الاميركية، هو أستاذ محاضر في مادة الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في كلية الهندسة والعمارة منذ عام 1985. ووفق سيرته الذاتية النرجسية البالغة مئة وستة وثلاثين صفحة من البطولات الوهمية والحقيقية، فإن الرجل يبدو واثقاً من نفسه بأنه قادر على قيادة الهيكل المتآكل لما تبقى من الدولة اللبنانية إلى بر الأمان.

الحملة الرافضة لدياب بدأت قبل انتهاء الاستشارات النيابة، وأتت من قبل المواطنين اللبنانيين بشكل عام ومن زملاء وتلاميذ سابقين لدياب في الجامعة الأميركية بشكل خاص، شككوا بنزاهة الرجل وبقدراته العلمية والأكاديمية، متهمين إياه بالحصول على الوظيفة بالمحاباة كونه متزوجاً من إبنة رضوان المولوي أحد أركان الجامعة أثناء الحرب. لا شك أنه لا يصح تقييم دياب أكاديمياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا حتى عبر الإعلام، كون هذه العملية جرت وتجري من قبل أقرانه من العلماء والأكادميين (peer review). ولكن بما أن دياب طرح نفسه “كرجل دولة”، لا بد أن يرد على الاتهامات وحتى التجاوزات التي قام بها كنائب لرئيس الجامعة الأميركية، والأهم كوزير تربية “مغمور”.

الدليل على الجرم
فضائح عدة لاحقت دياب أثناء توليه منصبه الوزاري، من بينها قيامه بتغيير اسم “روضة رمل الزيدانية الرسمية” إلى “روضة السيدة رفقة عبد الله تاجي الرسمية”. والسيدة رفقة والدة البروفسور المعجزة، وإن كانت من النساء الفاضلات والخيرات في نصرة التعليم والمرأة، فهي لم تكن مدرّسة رسمية ولا ترقى إلى أن يتربع اسمها على يافطة بناء رسمي.

وإن لم تكن النرجسية جريمة يعاقب عليها القانون، فإن هدر المال العام عبر نشر “كتاب توثيقي لولاية الوزير البروفيسور حسان دياب” هو دليل دامغ على الجرم، ومؤشر واضح لنفسية شخص يسمح باستعمال أموال دافعي الضرائب اللبنانيين من أجل نشر كتاب يتجاوز الألف صفحة، معظمها تملؤها صورٌ له مع مطربين ومشاهير. وهي حسب مزاعم بطل الكتاب “إنجازات تاريخية” يجب أن توثق بالحبر والصورة.

لدى تصفح الكتاب والاطلاع على الصور والعناوين المرفقة تجد عبارات تبدو هزلية بعض الشي قبل أن تعي كقارىء أن الوزير يحاول من خلال توثيقها إبراز نفسه كبروفيسور نشيط ومثابر واختصاصي. فعبارات من قبيل “يستمع، ضاحكا”، أو “يراجع، مستغرقا”، أو”مسترقاً، متلصصاً، مشاركاً…” هي عبارات فارغة لا تفلح إلا بالتَمنُّن على اللبنانيين بعمل هو أقل من روتيني.

الجامعة والممانعة
لعل الأزمة الحقيقية ليست في شخص البروفيسور دياب بل في الجهة التي قررت أن تخلع عليه صفات “الاختصاص والشفافية والكفاءة” كونه عضو في الجامعة الأميركية في بيروت . و”نادي عشاق البروفيسور دياب” هو جوقة أبواق ومثقفي البراميل المتفجرة نفسها التي تعشق القاتل بشار الأسد. وكانت منذ أيام قليلة فقط تطلق سهامها السامة باتجاه الجامعة الأميركية، وتخون رئيسها الدكتور فضلو خوري، وتتهمه بالتدخل في الثورة اللبنانية، وبمحاولة تطبيق أجندة إمبريالية على لبنان ومحور “المقاومة”، حسب زعم الجوقة.

فكيف لجامعة تروج -وفق مزاعم الممانعة- للتطبيع والسلام مع إسرائيل أن تقدم رئيس حكومة “وطني”، وأن يكون في الوقت عينه نواف سلام -أستاذي وصديقي في الجامعة الأميركية- أحد المرشحين لرئاسة الحكومة، وهو الذي شب وشاب في الدفاع عن فلسطين، مرشحا أميركياً؟! وهل حسان دياب هو مرشح فرسان مالطا أو جبهة البوليساريو؟!

فجأة، و بسحر ساحر، أصبحت الجامعة الأميركية بشخص حسان دياب تصلح لتقود الإصلاح السياسي والاقتصادي. بل وصل بهم الأمر إلى الترويج لبدعة أن حسان دياب تمت تزكيته من قبل الدكتور خوري، والأب دكاش رئيس جامعة القديس يوسف، في زيارتهما الأخيرة إلى قصر بعبدا خلال الأسابيع الأولى من الثورة. وهو ما يعكس واقعاً فيه الكثير من الكذب السياسي. هذه “الزندقة السياسية” ليست بجديدة على محورٍ يرتعد من الجامعة الأميركية في بيروت، لكونها الحصن الحصين للقضية الفلسطينية والمقاومة الحقيقية لتحرير الأرض والعقل من مفاهيم فاشية بائدة.

يا دولة الرئيس المكلف البرفيسور دياب، ابن رفقة التاجي، أكتب لك كزميل محاضر في دائرة التاريخ، وأدعوك الى مراجعة الاقتباس الذي قررت بنفسك تضمينه لسيرتك الذاتية باللغة الانكليزية للأديب والشاعر الأميركي رالف والدو إمرسون (Ralph Waldo Emerson): “لا تذهب في الاتجاه الذي قد يؤدي إليه الطريق، بل اذهب إلى المكان الذي لا يؤدي إليه أي طريق ولا تتبع أحداً”.

وإذا اردت أن تتبع أحداً، فمن الأجدر بك أن تتبع الملايين من اللبنانيين الذين يريدون التغيير، لا أن تتبع طبقة سياسية كالغراب أودت بلبنان وبالشعب اللبناني إلى الخراب.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button