حزب الله يختار دياب لرئاسة الحكومة… تعيين شخصية سنية هامشية رسالة للداخل والخارج
صحيفة العرب :
كشفت مصادر سياسية لبنانية أن حزب الله يقف وراء تكليف حسّان دياب، وهو وزير سابق للتربية، تشكيل حكومة جديدة تخلف الحكومة المستقيلة لسعد الحريري.
وأوضحت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن الهدف من تكليف حسّان دياب بهذه المهمة الخروج من المأزق المتمثل في المعادلة التي وضعها رئيس الجمهورية ميشال عون. وتقوم المعادلة، التي أصرّ عون عليها، على عدم تمكين الحريري من تشكيل حكومة لا يكون جبران باسيل رئيس “التيّار الوطني الحر” وصهر عون، عضوا فيها.
واستبعدت المصادر ذاتها تمكن دياب من تشكيل حكومة قريبا إلّا في حال قرار اتخذه حزب الله بالذهاب إلى النهاية في المواجهة مع الشارع السنّي.
ولاحظت أن رئيس الوزراء المكلّف لا يمتلك أكثرية سنيّة مؤيدة له بعدما امتنع معظم نوّاب الطائفة عن تسميته في الاستشارات الملزمة التي قام بها رئيس الجمهورية الخميس. وأشارت في هذا المجال إلى أنّ دياب سيكلّف بتشكيل الحكومة بفضل النواب الذين أعطوا حرّية الاختيار لرئيس الجمهورية.
واعتبر سياسي لبناني مخضرم أنّ تكليف من اختاره حزب الله بتشكيل الحكومة يشير إلى تطور على صعيد الوضع اللبناني ككل.
وقال في تصريح لـ”العرب” إنّ الحزب، الذي يعتبر أداة إيران في لبنان، أغلق مجلس النوّاب سنتين ونصف السنة كي يفرض يوم 31 أكتوبر 2016 مرشّحه ميشال عون رئيسا للجمهورية.
وأضاف أنّ الجديد في الأمر أنّ يوم التاسع عشر من ديسمبر 2019 سيدخل التاريخ اللبناني من أبوابه الواسعة نظرا إلى أنّه صار اليوم الذي يقرّر فيه حزب الله من هو رئيس مجلس الوزراء في لبنان مكرّسا بذلك الوصاية الإيرانية على البلد.
وذكر سياسيون لبنانيون أنّ اسم حسّان دياب، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، كان بين 48 اسما لشخصيات سنيّة رفعها إلى رئيس الجمهورية رئيسا الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية في بيروت، الدكتور فضلو خوري والدكتور سليم دكّاش.
لكنّ هؤلاء السياسيين تساءلوا هل يعتبر مثل هذا الغطاء الذي لجأ إليه حزب الله وفريق رئيس الجمهورية كافيا كي يحظى رئيس الحكومة المكلّف بقناة اتصال مع الإدارة الأميركية التي ترفض أيّ وجود لحزب الله في الحكومة الجديدة؟
وأشاروا إلى أنّ التاريخ السياسي لرئيس الوزراء المكلّف معروف تماما في الأوساط اللبنانية، إذ دخل حكومة نجيب ميقاتي المسماة “حكومة القمصان السود” في العام 2011 كوزير للتربية من موقع الشخصية المحسوبة على النظام السوري الذي أصرّ وقتذاك على استقالة حكومة سعد الحريري والإتيان بنجيب ميقاتي مكانه.
ولاحظ السياسيون الذين تابعوا مسيرة حسّان دياب عن كثب أنّه تحوّل مع الوقت إلى متعاطف مع حزب الله، خصوصا مع تراجع النفوذ السوري في لبنان ابتداء من العام 2011 تاريخ اندلاع الثورة الشعبية في البلد الجار.
ورأى هؤلاء أنّ المشكلة التي ستواجه حسّان دياب مستقبلا لا تقتصر على افتقاده الشرعية في الطائفة السنيّة التي ينتمي إليها فحسب بل في رد فعل الشارع اللبناني أيضا. وهذا الشارع منتفض منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي في وجه الطبقة السياسية اللبنانية وفي وجه المحاولات التي يفرضها حزب الله من أجل استكمال سيطرته على المفاصل السياسية كلّها في لبنان.
ويعتبر مراقبون أن انقلابا حصل ليلة الخميس في موقف حزب الله وحلفائه وأدى إلى “إخراج اسم “مدبّر” أو “معلب”، وفق وصف رئيس الحكومة السابق تمام سلام، وأن حزب الله وزّع كلمة سر اختيار المرشح حسّان دياب على حلفائه، بحيث كان واضحاً التزام كافة الكتل النيابية الحليفة للحزب بـ”أمر العمليات” الصادر في هذا الشأن.
وتساءلت عما إذا كان انسحاب الحريري وليد معطيات خارجية كان أوحى بها موقف القوات اللبنانية بعدم تسميته، وعما إذا كان موقف تيار المستقبل بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة هدفه حرمان “حكومة حزب الله” من أيّ شرعية وطنية، وبالتالي جعلها مكشوفة أمام المجتمع الدولي.
ورأى المراقبون أن حزب الله ذاهب إلى تشكيل حكومة اللون السياسي الواحد على عكس ما كان رفضه قبل ذلك الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وأن الأمر يعبّر عن سياق مواجهة مع المجتمع الدولي برمّته، على نحو يكشف عن سلوك طهران في هذا الشأن.
وأضاف هؤلاء أن إبلاغ كتلة المستقبل الرئيس عون أنها لن تشارك في الحكومة المقبلة، يفتح الأبواب إلى استعادة انقسام سياسي حاد بين قوى 8 و14 آذار.
ورأت مصادر دبلوماسية في بيروت أن مناورة تعيين شخصية سنيّة هامشية، هي بمثابة رسالة للولايات المتحدة قبل ساعات من وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت.
ولفتت المصادر إلى أن حزب الله يبلغ الإدارة الأميركية بأن “الأمر لي” في لبنان وأن سلسلة العقوبات القاسية التي فرضتها على الحزب منذ إدارة الرئيس باراك أوباما لم تغير شيئا من توازن القوى السياسية في لبنان، وأن هيمنته ما زالت هي القاعدة في البلد.
وحذرت أوساط سياسية من فتنة سنيّة شيعية يستعد لتسعيرها حزب الله من خلال فرض شخصية على السنّة لا تمثلهم داخل المركز السياسي الأول للسنّة في لبنان.
وبادر سعد الحريري يوم الاثنين الماضي إلى الطلب من رئيس الجمهورية ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة إلى يوم أمس الخميس، بعد أن استنتج أن عزوف كتلة التيار الوطني الحر المسيحية، وكتلة القوات اللبنانية المسيحية، عن تسميته ستنزع عن هذه التسمية التي كانت مؤكدة عدديا ميثاقية مسيحية.
بالمقابل يضرب حزب الله عرض الحائط بالسنيّة الميثاقية، من خلال فرض شخصية ليس لها أيّ تمثيل داخل الطائفة السنيّة وليست لها أيّ تغطية من دار الفتوى ورؤساء الحكومة السابقين وتيار المستقبل وبقية القوى السياسية السنيّة في البلد.
ورغم الحديث عن إمكانية عدم تمرير الرئيس عون لاسم حسّان دياب بسبب افتقاده للميثاقية السنيّة، إلا أن مصادر استبعدت الأمر الذي تعوزه قواعد دستورية.
ورأت مصادر برلمانية أن تكليف حسّان دياب “المعلّب” يفترض أن يتبعه تشكيل حكومة “معلّبة” جاهزة وفق المواصفات التي يريدها حزب الله.
وفيما كانت الثنائية الشيعية تدعو إلى تشكيل حكومة مختلطة من السياسيين والتكنوقراط، يتوقع المراقبون هذه المرة تطعيم حكومة سياسية بوجوه من التكنوقراط، كما تتوقع مشاركة جبران باسيل والتيار الوطني الحر في هذه الحكومة، وذلك بعد انسحاب الحريري، وتلبية لما طالب به نصرالله من حكومة يشارك فيها الجميع، بما في ذلك التيار الوطني الحر.
وقالت مصادر برلمانية لبنانية إنّ حزب الله سارع إلى فرض حسّان دياب رئيسا للوزراء وقطع الطريق نهائيا على رواج اسم نواف سلام الذي سبق أن شغل منصب سفير لبنان لدى الأمم المتحدة.
ويتهم حزب الله سلام بأنه مقرب من الأميركيين ويحمل أجندتهم في لبنان. وكان سبق للنائب ميشال معوض، الذي يعتبره حزب الله صديقا للأميركيين قد طرح اسم سلام، فيما عد قيام تكتل نيابية لبنانية، لاسيما الكتائب، والاشتراكي، بتسمية سلام بمثابة موقف مضاد لخيارات حزب الله في البلد.
وتوقع مراقبون أن يتم الرد على مناورة حزب الله من خلال الحراك الشعبي في لبنان. وقال هؤلاء إنّ فرض حسّان دياب يمثل استهتاراً بالمطالب التي يرفعها المنتفضون منذ الـ17 من أكتوبر الماضي، وإنهم لم يرفضوا عودة الحريري لمنصب رئاسة الحكومة بصفته واحدا من الطبقة السياسية لكي يقبلوا بممثل لفريق حزب الله وحلفائه في الحكم.
وتوقعت مصادر من بين المحتجين أن يحظى التحرك الشعبي بزخم شعبي أوضح من قبل مناصري تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزبي الكتائب والقوات اللبنانية.
وتتخوف بعض الأوساط من أن تتواكب التوترات السياسية بتوتر أمني متعدد الأوجه هدفه فرض خيار حزب الله الحكومي عن طريق إرهاب الشارع والبلد.