خفايا الشبكة المالية السياسية للأخوين رحمة وصفقة البنزين
خلال الأسبوعين الماضيين، قدمت وزارة الطاقة نفسها على أنها صانعة إنجاز تاريخي باستيرادها مباشرة عُشُر الفيول (150 ألف طن بنزين)، و”كسر احتكار” الشركات الوسيطة والمعروفة شعبياً بإسم “كارتيل النفط” لارتباطاتها السياسية، إلا أن تحقيقاً لـ”المدن” في وثائق “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، أظهر أن أصحاب الشركة الفائزة على علاقة شراكة مالية بالطبقة السياسية ومن ضمنها قياديان في “التيار الوطني الحر” منذ عام 1999. كما كشف التحقيق أن للشركة الفائزة علاقة أيضاً برجل أعمال عراقي خاضع للعقوبات الأميركية، وكان ملاحقاً من القوات الأميركية في العراق، بعدما اتهمته بالعمالة المزدوجة للاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. آي) والمخابرات الايرانية.
سيناريو البطولة
خلال الأيام الماضية، تحدثت وزيرة الطاقة ندى البستاني عن تعرضها “لضغوط في موضوع تنظيم مناقصة استيراد البنزين بعدما تأكّدوا من جديتي في رفض زيادة سعر صفيحة البنزين، إلّا انني صممتُ على الاستمرار في خياراتي حتى النهاية لاقتناعي بجدواها وصوابيتها”.
لم يخلُ حديث البستاني من عناصر البطولة والتشويق. كان ينتابنها “شعور بالانزعاج والضيق عندما كنت أشاهد طوابير السيارات والمواطنين أمام محطة البنزين المحاذية لمنزلي. هذا المشهد الذي تكرر في كل المناطق استفَزّني من جهة، وحَفّزني من جهة أخرى على اتخاذ كل التدابير الضرورية لوقف تلك المهزلة”. والتدابير المقصودة طبعاً كانت اجراء مناقصة بشفافية وأمام الكاميرات، حتى أفضت إلى اختيار شركة ZR Energy بعد منافسة مع شركتين أخريين.
خطوة البستاني ترافقت مع إشادات من حلفائها. لقاء الأحزاب والشخصيات الوطنية أثنى على “الخطوة الجريئة” في “استيراد مادة البنزين وكسر احتكار الشركات الخاصة التي تتحكم بالسوق”، ودعا “باقي الوزراء إلى الحذو حذوها في كسر الاحتكار”.
لكن موجة اتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي ربطت بين الشركة ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على أساس أن الشريكين الأساسيين فيها (ريمون وتادي سمير زينا، المعروفين باسم الأخوين رحمة) هما صديقان له.
بدورها، استدعت الاتهامات رداً من الشركة، أثنت فيه على المناقصة واحترافيتها العالية، ثم نفت “نفياً قاطعاً الشائعات المتداولة حول انتمائها أو شراكتها مع أي جهة حزبية أو سياسية”.
هل هذا صحيح؟ في ما يأتي مجموعة من الوثائق عن عالم شركات “الأخوين رحمة” وارتباطاتهما المالية والسياسية.
بداية، العالم المالي للأخوين رحمة مكون من شركات متشابكة ببعضها بعضاً. لكن لنبدأ من الشركة الفائزة بمناقصة وزارة الطاقة، أي ZR Energy. شركة “زي أر انيرجي ش م ل” المسجلة في وزارة العدل برقم 1019052 بتاريخ 11-3-2014 وبرأس مال قيمته 30 مليون ليرة، مملوكة من دوماز هولدنغ ش.م.ل. شركة قابضة (997 سهماً) وسهم واحد لكل من محمد ابراهيم محمد ذوق وتادي وريمون سمير زينا. تادي هو رئيس مجلس إدارة الشركة، وهو أيضاً مفوض توقيع إلى جانب محمد ذوق.
من هي دوماز هولدنغ؟ هي مملوكة من ZR Energy SAL off shore (3000 سهم)، و2940 سهماً لمحمد ذوق و30 لكل من تادي وريمون. تادي أيضاً رئيس مجلس إدارة ومفوض توقيع إلى جانب محمد. تادي أيضاً المالك الأساسي للشركة الأولى، أي ZR Energy SAL off shore، وهي سُجّلت عام 2010، من خلال 498 ألف سهم (قد يكون خطأ مطبعياً في الوثيقة)، يليه ميشال يوسف عازار وبيار جرجي بطرس يوسف بـ500 سهم لكل منهما.
الفضيحة الكبرى أن دوماز هولدنغ، وهي شريكة في ZR Energy الفائزة بالمناقصة، دخلت في شراكة مع رجال أعمال عراقيين أحدهم، أراس حبيب محمد كريم، خاضع لعقوبات أميركية، من خلال شركة داسك ش.م.ل. أوف شور، ورقم تسجيلها 1804845. تاريخ تسجيل الشركة هو 2-19-2011، أي قبل سنوات من تاريخ فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أراس (العقوبات فُرضت في 15 آذار العام الماضي). لكن تاريخ تسجيل الشركة جاء بعد سنوات عديدة على صدور مذكرة اعتقال أميركية بحق أراس، بتهمة العمالة المزدوجة لمصلحة الاستخبارات الايرانية. كما كان أراس معاوناً أساسياً للسياسي والمصرفي العراقي أحمد الجلبي المسؤول عن إفلاس مصرفي “بترا” في الأردن و”ميبكو” في بيروت خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
وفقاً لبيان وزارة الخزانة الأميركية، فإنها أدرجت حبيب على قائمة العقوبات بسبب “مساعدته ورعايته وتوفيره دعماً مالياً ومادياً وتقنياً وخدمات لفرقة القدس في الحرس الثوري الإيراني”. وجاء أيضاً في بيان الوزارة أن أراس ساعد الفرقة على “استغلال القطاع المصرفي العراقي لنقل الأموال من طهران إلى حزب الله، ما هدد نزاهة القطاع المالي العراقي”.
خلال العقود الماضية، وحتى وفاة الجلبي عام 2017، عمل أراس في الخفاء، متخذاً تدابير أمنية مشددة، ولم تكن لديه حتى صورة حديثة. انتقل إلى السكن في بيروت حيث أدار مصرف البلاد الإسلامي (المدرج الآن على قائمة العقوبات) وقناة آسيا التلفزيونية. لكن، وغداة وفاة الجلبي، انتُخب أراس رئيساً لحزب “المؤتمر” وبدأ يظهر في الإعلام كرجل أعمال يُحاكي طموحات الشباب العراقي.
وعلاقة “الأخوين رحمة” بأراس حبيب لا تقتصر فحسب على هذه الشركة، ذاك أنهما شريكان أيضاً مع الوزير السابق محمد أحمد الصفدي في شركة “ستو-وادي ش. م. ل.” المالكة لعقار في وسط بيروت. وفقاً لمصادر مطلعة على الملف، فإن بنك البلاد الاسلامي اشترى العقار ولم يُسدد كامل الثمن، فناب عنه لاحقاً الأخوان وتنازل لهما الصفدي عن حصته.
العلاقة مع “التيار الوطني الحر”
لا تقتصر شراكات الأخوين رحمة على طرف سياسي واحد بل هي عابرة للانقسامات اللبنانية. مع أركان “الوطني الحر”، الشراكة الأقدم في السجل التجاري كانت مع النائب ابراهيم يوسف كنعان من خلال شركة “ميغا كوم ش. م. ل.” وتاريخ تسجيلها في 8/5/99 تحت رقم 74876. الشركة واجهت عدداً من الدعاوى وصدرت فيها أحكام.
وتادي كان مفوض مراقبة أيضاً في شركة يُساهم فيها الوزير السابق نقولا جان تويني (التيار الوطني الحر)، واسمها “أورينت انداستري أوف شور ش.م.ل.” ورقم تسجيلها هو 1800042 بتاريخ 7-25-2002. الشركة فيها رجل أعمال سوري اسمه عماد الدين شفيق بيطار وثلاثة من أبنائه هم رامي وشادي وفادي.
إضافة للتيار الوطني الحر، “الأخوين رحمة” أيضاً شركاء مع رجلي الأعمال محمد زيدان (القريب من الرئيس فؤاد السنيورة ووالد زوجة النائب طوني فرنجية) في شركة فينيسيا أربيل أوف شور (رقم 1802551)، ورفيق أحمد صاوي زنتوت المحسوب على الرئيس الحريري (شركة تلكس انترناشيونال كومباني ش م ل أوف شور)، وغيرهم.
خلاصة
لم تصدُق شركة ZR Energy في نفيها “نفياً قاطعاً الشائعات المتداولة حول انتمائها أو شراكتها مع أي جهة حزبية أو سياسية”، ذلك أن من الواضح وجود شبكة علاقات لها مع أطراف سياسية ليس في لبنان فحسب بل في العراق أيضاً. وكان الأجدى بوزيرة الطاقة اللبنانية مصارحة مواطنيها المتضررين من هذه الطبقة السياسية، أن للشركة الفائزة علاقة مع الجميع، ومن ضمنهم شخصيات في حزبها، بدلاً من إخراج تمثيلية تزيد الهوة المتسعة أصلاً بين فريقها وبين اللبنانيين.
مهند الحاج علي – المدن