صلاة في معراب… (بقلم عمر سعيد)
وقفنا جميعاً على جراحنا نتأملُ الأمل..
وحضرَ د. سمير جعجع الإنسان برتبةِ رئيس دولة .. رئيس دولةٍ تليقُ بالمواطن والإنسان .. وحضرَ مشهد الفخامة بكل تفاصيله : سفراء وهيئات دولية وأممية والصليب الأحمر .. وما غابَ عن المشهدِ إلا التشريفاتُ والحرسُ الجمهوري الذي نلمحه في شاشاتِ التلفاز.
كان قصرُ معراب قصرُ الناس وكلِ أوجاعِ الذين نسيَتهم الدولةُ خارج معراب ..
كان كلُ شيءٍ بلونِ الحبِ والحرية ..
لأنّ فخامةَ رئيسِ البلاد الحاضرِ إلى جانبِ كلّٓ منّا ؛ قد قررَ مسحَ الليلِ عن عيونِ من خبؤوا الوطنَ تحت جلودهم خشيةً عليه من حارسِ الزنزانة.
حضر الحكيمُ بكله .. بنضالاته وعذابات سجنه وعاطفته الإنسانية وإراداته التي لا تنحني؛ وبكل ألوان النور والمطر ..
كان هادئاً .. مصغياً .. سكنت أساريرُه مرايا أوجاعِ وهمومِ من نسيهم الجميع.. إلا حراسُ زنازينِهم وأهلُهم العاجزون على ضفاف الانتظار واليأس، وذووهم الذين لا يعلمون لهم جهاتٍ يطلقون فيها الصوت، ولا عناوين يتركونَها فوق مغلفاتِ الرسائل ، ومعراب.
ورحتُ أحاولُ قراءةَ وجدان هذا الحكيمِ عن بعد .. تراه بم يشعر الٱن، وأي عذابات يستحضر، وقد أخذ بعض الأسرى المحررون يروُون حكاياتِ الوجعِ من عذرا الى تدمر فالمزة حتى فرع فلسطين ..
فبدا لي ان هذا الرجلَ واحدٌ من أسَرِ كلً المغيبين؛ وهو من بعض أهلهم المصرّين على العودة.. فبلادُه تسير معه أينما خطا ..
صعدَ المنصة، وراح بكامل حضوره يعدَُ الوجعَ تلو الوجعِ ممسكاً بأرواحنا، يجعلها تتلمس سماكة السواد الذي خلفته ليالي السجون فوق غياب رفاقنا المزمن ..
وأخذ يدخل في الإنسانِ فينا عميقاً ..
لم يتحدث في السياسة إلا كلمات .. وظل يحفر في الإنسان .. حتى استحالة الحياة فينا دون وطن..
وغدا موتُ المغيبين محالاً في غير ترابِ وطنهم ..
فكيفَ يمكنُ لإنسان أن يحيا بغير سمائه ..
وصار الحكيمُ ملاكاً يوزع الورودَ على أكفِّ الممسكين بحديدِ الزنازين .. وتسللَ البعدَ صوتاً يوقظُ رجالاً يسيرون منذ عقود دون أن يقطعوا تلك المترين المعتمة ..
ومشيتُ في نظري فوقَ وجوهِ الحاضرين ..
ثم عبرتُها إلى وجوه الغائبين .. فلمحت أحلاماً تنمو .. ولمحت ٱمالاً تستيقظ على لهفة اللقاء ..
سألني رفيقي شربل هامساً : هل تتوقع أن نبلغ نتيجة في هذا الملف ؟
ودون تردد قلت : بالتأكيد..
فليس سهلاً أن تجدَ من يبعد الأشواكَ عن دروبِ وجعهم المستباح !
وليس بالهينِ ان تطرقَ يدٌ أبوابَ بيوتٍ التأمتَ جراحُ ساكنيها على شظايا العجز ، يعضون بأضراسهم مِلح الصبرِ والكظم الدفين !
وليس بالقليلِ أن يرى العاجزون من زنازينهم كتفاً يتكئون عليها وقد عايشوا استحالةَ النهوض..
وما آلَمَ السير في طريقٍ دون صاحبٍ أو ضوءِ بيتٍ يلوحُ في البعيد ..
وما عادت معرابُ مقراً يلتقي فيه المدعوون ..
وصارت معرابُ كنيسةً ومسجداً ومعبداً أضيئت فيها الدموع خشوعاً لخلاص المعذبين ..
واستُجمِعَ الغضبُ إيماناً بقدسية هذا الملف وأهمية العمل فيه ..
ولأول مرة وفي سري شكرت زنزانتي التي أوصلتني إلى معراب .. معراب التي باتت كعبة الأحرار في وطني..
شكرا لك فخامة الحكيم ..
وسنظل نعصر إرادتنا إلى أن يكون الوطن .. ويعود الأسير .
عمر سعيد