النص المتثائب
النص جغرافيا، لها انقلاباتها المناخية، وتضاريسها الفكرية والخيالية.
وتختلف الطبيعة من نص لآخر تباعاً لاختلاف موقع الكاتب من سطح وجدانه وكمية الانفعالات التي تتساقط على أقانيمه الإنسانية.
لذلك تقابلنا في القراءة نصوص كالغابات الأمازونية شاهقة الانهيارات النفسية ملتفة العقد، تتكثف فيها أدغال الخيال بالشكل الذي يمنع القارىء من التحرك فيها مهما تمرس في تسلق الافكار والقفز على حبال ألخيال المتدلية.
وتقابلنا نصوص كالصحارى يغريك سرابها اللفظي بالتقدم، لتكتشف أنك تطارد لمعان المعاني الذي يفلت من فهمك في رمال النص المتحركة .
وخلال تجوالك في بقاع النصوص، يقابلك النص المتثائب، ذلك الذي يثقل عينيك بالنعاس، ويجعل عضلاتها تكسل حد الإغفاء.
في هذا النوع من النصوص، نكتشف أن الكاتب خبير في المماطلة وفي كركبة المكان إلى درجة الفوضى التي تفقدنا أبسط مواطئ الأقدام، ويعجزنا ثقل المناخ وكثافة الرطوبة في مثل هذه النصوص عن القدرة على مقاومة النعاس، فتسلبنا الرتابة فيه اليقظة، ويقتل تكراره فينا القدرة، وتشعرنا سطحيته بالاختناق وضعف الرؤية.
فنسلم كل ما فينا من شغف القراءة إلى الضجر والملل، فنرمي بالنص بعيدا عنا تارة ثم نعاود المحاولة اخرى دون أن نتمكن من كتم تثاؤبه فينا، حتى يصل الأمر بنا الخروج كليا عن عالم الفعل، فنستسلم لعالم النفور ونسقط بمثل هذه النصوص في قعر التخلص منها.
لكتاب هذا النوع من النصوص أقول، أنا على يقين أنكم تكتبون وأنتم تحت تأثير الاعتقادات الخطأ والأفكار المفككة، وأيهامات القباحة التي تطلونها لأعينكم بما يعميكم عن حقيقة نصكم المتثائب.
إن كتابة نص جيد أشبه بامساك منقار يدوي يثبّته الكاتب في عقد أوجاعه ويبدأ الثقب حتى يتمكن من فتح مجرى ألأسلبة الذي يجعل الجمال يصب في حقول النص..
وإن كتابة نص مميز أشبه بامساك فأرة النجارة وتمريرها على غلاف القلب فتقشره ليسيل النص دما لا يسهل إيقافه، مالم نستمتع بمرور الفارة على جسدنا المقشر .
فالكتابة ليست أقل من السير حفاة على زجاج محطم يليها عبور بأكف أقدام جاوز الدم منها السيلان فوق جمار ملتهبة بهدف إيقاق النزف.
فروعة النص في القارىء ينبغي ألا تقل بتاتا عن متعة اختراق الرصاص لصدر جندي يشتهي الموت في ساحة القتال.
وكم أشفق على اولئك الذين يعتقدون أن النصوص حبر ينعكس سواده في عيون القراء على بياض الورق ، أولئك الذين يحصون جمال النص بعدد الكلمات والأسطر.
عمر سعيد