الخارجية الأميركية تحثّ لبنان على تسليم ألمانيا رئيس المخابرات الجوية في النظام السوري
بعدما افتتحت كل من ألمانيا وفرنسا في فبراير (شباط) الماضي ملف محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، خصوصاً رجال الاستخبارات في نظام بشّار الأسد، الذين أوقفت الدولتان ثلاثة منهم، دخلت الولايات المتّحدة الأميركية على خطّ هذ الملفّ من باب الدعم والمطالبة.
واشنطن تحثّ لبنان على تسليم حسن
الخطوة الأميركية جاءت عبر النافذة اللبنانية. إذ حثّت واشنطن الحكومة في بيروت على الاستجابة لطلب ألمانيا تسليمها اللواء جميل حسن، رئيس مديرية المخابرات الجوية في النظام السوري، المتّهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، الثلثاء، شدّدت الولايات المتحدة على مساعيها المستمّرة “لإلقاء الضوء على انتهاكات نظام بشار الأسد، بما فيها استخدام التعذيب”. ودعت النظام السوري إلى “السماح لمنظّمات المراقبة المستقلّة بالدخول من دون عوائق إلى مراكز الاحتجاز”.
وفي هذا الإطار، عبّرت الولايات المتّحدة عن دعمها “الآليات الفعّالة لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الفظائع في سوريا”، مضيفةً أنّها ترحّب “بأي قرار من الحكومة اللبنانية لتسهيل التسليم القانوني للّواء جميل حسن إلى ألمانيا”، التي تقدّمت من الحكومة اللبنانية بطلب لتسلّمه. وأوضح البيان الأميركي أنّ حسن معروف بتورّطه المزعوم بالاستخدام الواسع للتعذيب في مراكز الاحتجاز السورية.
خلفيّة الملاحقة الألمانية
ألمانيا، التي تجيز قوانينها ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ومحاكمتهم في أي مكان من العالم، أصدرت في يونيو (حزيران) 2018، مذكّرة توقيف بحقّ حسن لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية، من عمليات تعذيب وقتل سجناء”.
واستناداً إلى معلومات تفيد بأنّ حسن يتردّد إلى بيروت لتلقّي العلاج الصحي في أحد مستشفياتها، أرسلت ألمانيا تعميماً دولياً إلى الجهات اللبنانية المعنية طالبتها فيه بتسليم حسن.
وتعتقد ألمانيا بأن حسن هو مخترع فكرة البراميل المتفجرة، التي استُخدمت ضدّ مدنيين وراح ضحيّتها مئات الأطفال في أكثر من مدينة سورية. كذلك، كان اسمه مدرجاً على لائحة عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على كبار مسؤولي النظام السوري بتهمة التورّط في قمع المعارضة السورية.
وفي إطار الجهود الألمانية لمحاسبة مرتكبي جرائم ضدّ الإنسانية، كانت السلطات الألمانية ألقت القبض، في 13 فبراير، على المشتبه فيهما أنور ر. (56 سنة) وإياد أ. (42 سنة)، وهما عضوان في جهاز الاستخبارات السوري في دمشق، وذلك بناءً على إدلاء ناجين من التعذيب في السجون السورية بشهاداتهم أمام القضاء الألماني ضدّ أحد الموقوفين. وأُعتبر هذا التوقيف الأوّل من نوعه لعناصر من أجهزة الأمن السورية. وستسمح المحاكمات لضحايا التعذيب بالوقوف في وجه جلاديهم للمرّة الأولى.
الموقف اللبناني “حرج”
لبنان المنقسم عمودياً بين مؤيّدي النظام السوري، وأبرزهم حزب الله المسلّح، وخصومه الذين يتّهمونه بالسعي إلى السيطرة على القرار اللبناني وارتكابه العديد من الاغتيالات والجرائم في لبنان، لم تصدر حكومته حتّى اللحظة أيّ تعليق على الطلب الألماني أو “الرسالة” الأميركية. وذلك تحت وطأة التداعيات التي قد تسبّبها الاستجابة اللبنانية لمطالب الدولتين في هذا الشأن.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون نفى علمه سابقاً بالطلب الألماني، قائلاً إنّ “الأجهزة الأمنيّة لم تطلعني على دخول حسن إلى لبنان”.
أمّا من الجهة القانونية، فلم يعمّم القاضي سمير حمود، المدعي العام التمييزي في لبنان، الذي تلقّى الطلب الألماني، القرار على شعبة الاتّصال الدولي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المعنية بتنفيذ مذكّرات التوقيف الدولية، ما يعني أنّ حسن ليس مطلوباً حالياً في لبنان ولن يتم توقيفه.
وكان مصدر قضائي أوضح لـ “اندبندنت عربية” في وقت سابق أنّ المدعي العام التمييزي في لبنان يملك حق الاعتراض أو رفض طلب توقيف شخص أجنبي مطلوب من دولة أخرى، إذا لم تكن بين لبنان والدولة صاحبة الطلب (أي ألمانيا في هذه الحالة)، اتفاقية تنص على تبادل تسليم المجرمين، وهي اتفاقية غير موجودة بين البلدين. ويحق له أيضاً الاعتراض على تسليم المطلوب، إذا لمس في طلب الملاحقة وجود خلفيات سياسية.
وكانت السلطات السورية نفت وجود حسن في لبنان أو تلقّيه العلاج، مؤكّدة أنّ صحّته بخير.
وأمام الوضع اللبناني الحسّاس تجاه النظام السوري وكيفية التعامل مع المسائل المتعلّقة به، هل سينجح لبنان في الاستمرار في تجاهل الطلب الألماني، مع اتجاه الضغوط الدولية إلى التصاعد؟