تحت المجهر

اقتصاد على حافة الانقسام: ماذا تخسر السعودية والإمارات إذا انهار التحالف التجاري؟

بقلم تادي عواد

في حال حدوث قطيعة سياسية شاملة بين السعودية والإمارات تتبعها مقاطعة اقتصادية وقطع العلاقات التجارية والاستثمارية، فإن التأثير لن يكون محدودًا أو عابرًا، بل سيصيب بنية التكامل الاقتصادي الخليجي في الصميم، نظرًا لحجم التشابك العميق بين اقتصادَي البلدين.

أول وأبرز القطاعات المتأثرة سيكون قطاع التجارة وإعادة التصدير. فالإمارات، وخصوصًا دبي، تشكّل منذ سنوات البوابة التجارية الرئيسية للسلع المتجهة إلى السوق السعودي. نسبة كبيرة من الواردات السعودية تمر عبر موانئ الإمارات في إطار إعادة التصدير. مع توقف هذا المسار، ستخسر الإمارات مليارات الدولارات سنويًا نتيجة تراجع نشاط الموانئ والشحن والتخزين والخدمات اللوجستية، ويُقدّر هذا الفاقد بما يتراوح بين خمسة وسبعة مليارات دولار سنويًا. في المقابل، ستواجه السعودية ارتفاعًا مباشرًا في تكاليف الاستيراد نتيجة التحول إلى موانئ ومسارات بديلة، إضافة إلى تأخيرات في سلاسل الإمداد، ما ينعكس بزيادة أسعار السلع الاستهلاكية والصناعية داخل السوق المحلي.

أما قطاع الطيران والسياحة، فسيشهد صدمة واضحة وسريعة. فالسعوديون يشكّلون أحد أكبر مصادر السياحة للإمارات، سواء لأغراض الترفيه أو الأعمال أو الترانزيت. توقف الرحلات المباشرة أو تقييدها سيؤدي إلى خسائر كبيرة لشركات الطيران الإماراتية، إضافة إلى الفنادق وقطاع الضيافة وتجارة التجزئة. هذه الخسائر يمكن أن تصل إلى ما بين ملياري دولار ومليارين ونصف سنويًا، مع تركز الضرر الأكبر في دبي. السعودية بدورها ستتأثر بدرجة أقل، لكن الشركات المرتبطة بحركة السفر والخدمات الجوية ستتكبد خسائر تشغيلية أيضًا.

القطاع الثالث والأكثر حساسية هو قطاع الاستثمارات المتبادلة. فالإمارات تعد من أكبر المستثمرين الأجانب في السعودية، باستثمارات تتركز في العقار، التجزئة، الخدمات، والموانئ. في حال المقاطعة، ستتعرض هذه الاستثمارات إما للتجميد أو لإعادة الهيكلة أو للخروج التدريجي، ما يؤدي إلى خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة تقدّر بثلاثة إلى خمسة مليارات دولار سنويًا، إضافة إلى آثار سلبية على ثقة المستثمرين الدوليين في البيئة الاستثمارية الخليجية ككل. في المقابل، ستتكبد الاستثمارات السعودية في الإمارات خسائر أقل من حيث الحجم، لكنها ستكون مؤثرة سياسيًا وماليًا، خصوصًا في القطاع العقاري والأسهم.

في القطاع المالي والمصرفي، ستظهر الخسائر بشكل أقل وضوحًا لكنها مؤثرة على المدى المتوسط. فالبنوك الإماراتية والسعودية تلعب دورًا محوريًا في تمويل التجارة والمشاريع المشتركة. قطع هذه القنوات سيؤدي إلى تراجع في حجم التمويل التجاري، وخسارة رسوم مصرفية، واضطراب في عمليات الشركات العابرة للحدود. الخسائر هنا قد تصل إلى نحو مليار دولار سنويًا للطرفين مجتمعين.

أما القطاع الصناعي واللوجستي، فسيواجه تحديات كبيرة، خصوصًا في المرحلة الانتقالية. السعودية ستضطر إلى تسريع الاعتماد على موانئ بديلة وبنية لوجستية محلية، وهو ما يرفع التكاليف التشغيلية مؤقتًا ويؤثر على بعض خطوط الإنتاج الصناعي. الإمارات من جهتها ستخسر جزءًا من دورها كمركز توزيع إقليمي، وهو دور يشكّل أحد أعمدة نموذجها الاقتصادي. هذه الخسائر الصناعية واللوجستية قد تتراوح بين مليار وملياري دولار سنويًا.

عند جمع هذه التأثيرات، يمكن القول إن الخسائر الاقتصادية المباشرة للطرفين ستتراوح بين 14 و21 مليار دولار سنويًا في السنة الأولى فقط. ومع استمرار القطيعة لعدة سنوات، ستتحول الخسائر من أرقام مالية إلى خسائر استراتيجية: تراجع التكامل الخليجي، ضعف القدرة التنافسية الجماعية لدول الخليج، وفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية لملء الفراغ التجاري واللوجستي.

الخلاصة أن أي مقاطعة بين السعودية والإمارات لن تكون نزاعًا اقتصاديًا محدود الكلفة، بل صدمة هيكلية تصيب نموذج التعاون الخليجي، حيث تخسر الإمارات دورها الوظيفي كمركز وسيط، بينما تخسر السعودية مزايا السرعة والكلفة المنخفضة في سلاسل الإمداد. كلا الطرفين قادر على التكيّف، لكن الثمن سيكون مرتفعًا، وغير ضروري، ويستفيد منه المنافسون أكثر مما يستفيد أي من الطرفين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى