تحت المجهر

حتى لا يُسرَق المودِعون مرتين

بقلم تادي عواد

إنّ أي قانون لا يُفصّل بدقة كيف هُدرت أموال المودعين في لبنان، ولا يحدّد بوضوح الجهات المتورطة، يُشكّل تغطية للجريمة ولا يجوز أن يمرّ في مجلس النواب أو الحكومة.

لم تكن الأزمة المالية في لبنان حدثًا مفاجئًا، بل نتيجة تراكم سياسات نقدية ومالية غير مسؤولة على مدى عقود، أبرزها الاعتماد على ودائع الناس لتمويل ديون الدولة والهندسات المالية، في ظل ضعف الرقابة المصرفية وغياب المساءلة القضائية. ومع تفجّر الأزمة، أدّت القيود على السحوبات وخسائر المصارف إلى تآكل مدخرات المودعين، وبدأ البحث عن حلول تُحمّلهم عمليًا كلفة الانهيار.

اليوم، تُطرح مشاريع قوانين لمعالجة العجز المالي واسترداد الودائع تدريجيًا، إلا أنّ جوهر المشكلة يكمن في أنّ هذه التشريعات تخلط بين مسبّبات الأزمة ونتائجها. فهي تنظّم الخسائر وتوزّعها، من دون أن تحدّد بوضوح مسؤولية المصارف، ومصرف لبنان، والسلطة السياسية التي أدارت أو غطّت سياسات الهدر. بذلك، تتحوّل القوانين إلى أداة لشرعنة الخسائر بدل كشف الحقيقة.

القانون الذي لا يحدّد المسؤوليات بدقة يُعفي المتورطين من المحاسبة، ويُحمّل الضحايا تبعات الأزمة. فهو يحمي المصارف من الملاحقة، ويُبعد مصرف لبنان عن المساءلة، ويؤمّن غطاءً سياسيًا لمن استفاد أو هرّب أموالًا قبل الانهيار، فيما يُترك المودع ينتظر سنوات لاستعادة جزء من حقّه.

أي قانون عادل يجب أن يقوم على ثلاثة أسس واضحة:
أولًا، تدقيق جنائي شامل وعلني في حسابات المصارف ومصرف لبنان لكشف مصير الودائع.
ثانيًا، فصل دقيق للمسؤوليات بين المودعين، والمصارف، وكبار المستفيدين، والجهات السياسية.
ثالثًا، آليات فعلية لاستعادة الأموال المهربة وفرض العقوبات وضمان عدم تكرار الجريمة.

إنّ تمرير قانون يُساوي بين الجاني والضحية هو سرقة ثانية للمودعين. العدالة والشفافية والمساءلة ليست شعارات، بل شروط أساسية لأي حل. وحتى لا يُسرَق المودعون مرتين، لا قانون بلا كشف كامل للحقيقة ولا تعويض عادل للحقوق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى